باسم
الله
عن كتاب
"السلفية الجهادية، دار الإسلام ودار الكفر" – مركز المسبار 2016م
"من
أين أتت كل هذه الجماعات الجهادية؟" لا شك أن الكثير يسأل هذا السؤال. هذا
الكتاب تصدى للإجابة من الناحية التاريخية والقليل من السياسة لتوضيح ملامح ومراحل
الحركات الجهادية في القرن المنصرم بطريقة مبسطة للمهتم، وبكثير من المراجع والأدلة،
وبوجهات نظر عربية وخارجية معًا.
الكتاب يبعث الكثير من الزفرات الآسِفة على المسلمين بل على
العالم بأسره وما حواه من مآسٍ ضد الإنسانية قادت لكل هذا الغضب والضجر.
يبدو أن الفكر الجهادي بصورته الحديثة
نبت من أواسط القرن الماضي، وكانت العوامل التي أشعلت فتيله تشمل: سقوط كل أشكال
الخلافة في العالم الإسلامي وتفرد الاستعمار به، وسقوط الاتحاد السوفييتي وتفرّد
الولايات المتحدة بالقوة في العالم وانخراطها في أكثر من موقع في العالم الإسلامي،
وفشل محاولات الإصلاح المعيشي في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي عمومًا ما دعى
الناس للوم الحكومات التي ترضخ للغرب وسياساته الاستغلالية والكافرة.
وهكذا كانت الحركات الجهادية في
أعين المحللين شبيهة بالشيوعية التي قامت رغبةً في نصرة العمال الضعفاء والفقراء
وانتهت بالعنف المتطرف، وهكذا كان المفكرون الإسلاميون الملهمون للجهاديّين
مثل ماركس ملهم الشيوعية والاشتراكية. وهكذا –إن كان التحليل في محِلّه– يعيد
التاريخ نفسه عبر الزمان والجغرافيا كلّ مرة.
يقوم فكر هذه الجماعات على أسس من
أهمها أن الحاكمية لله "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"،
والجاهلية (أن العالم الآن يعيش في جاهلية توازي جاهلية ما قبل الإسلام، والبعض
جعل لحركتهم فترات تشابه فترات بداية الإسلام فترةً مكيةً وفترة مدنيةً وهكذا).
ويقول أحد المحللين الغرب أن عناصر الحركات الجهادية خمسة: قادة القاعدة
القدامى، فئة من العلماء (كبار سن وذوي أصول قديمة)، مفكرين استراتيجيين، فاعلين
في الميدان، مشاركين متطرفين على الشبكة العالمية (الإنترنت). وهكذا تتعدد
الجبهات التي تشكل قوة مثل هذه التحركات.
ويوضح الكتاب كيف أن بعض السلوكيات الجهادية
التي تناقض سياسة الإسلام الحربية جهارًا وعلنًا لم تكن جزءًا منه منذ البداية؛ فلم
يصبح استهداف المدنيين مستساغًا –مثلاً– حتى عام 1998م. وأما عن سبب مهاجمة
الدول الإسلامية بدل الكافرة فهو بغرض أنهم أقرب وأولى وأنّ العرب أعلم
بأرضيهم أكثر من الأرضين الأخرى؛ وكلهم كفّار في نظرهم في النهاية. وهذا –إن صح–
فهو ينافي نظرية المؤامرة القائلة بأن كل تلك القوى هي قوى عميلة.
ولا يغفل القارئ أن التعديات –أو الاجتهاد
الخاطئ– في الحرب لم يخلُ منها الجهاد في عصر نبينا محمد –صل الله عليه وآله وسلم–،
وفي بعض ذلك نزلت آيات من القرآن أو عاتب النبي صحابته.
ولا يتصور أحد أن الجهاديين يغفلون عن
الحجج التي يقف بها معارضوهم من كون الإسلام لا يُكره على اعتناقه، وكون الجهاد
دفاعيًّا في أصله، وكونه جاء للإصلاح الاجتماعي؛ فهم واعون بهذه الحجج وقد جهّزوا
لها الحجج المضادّة والأسباب المعاكسة وأغلقوا هذا الملف.
والتنظيمات الجهادية ليست واحدة أو
متكاتفة، بل كثيرة وكثير منها يخالف الآخرين. يقول الكتاب أنها كانت في قمتها أيام
الجهاد في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي، وبعد أن استهدفت الولايات المتحدة تلك
الجماعات في أفغانستان بعد ذلك ضعفت جماعتهم وتفرقت كلمتهم. وكذلك حول الحرب على
العراق والقضاء على كثير من الشيوخ المساندين لهذه الجماعات ظهر من مرجعيته
الدينية ليست أكثر من مرجعيته الاستراتيجية أو العلمية وتحوّلت التنظيمات لاتجاه
سياسي وعسكري أكثر من ذي قبل.
لم يتطرق هذا الكتاب لداعش، وأحسَب
أنها مثال متفرّد من أمثلة الجماعات التي تسمي نفسها جهادية؛ فهي قد تخطت الشريعة
أكثر من غيرها كما يبدو. وفيما يتعلق بالتعدّيات غير الشرعية هذه؛ فيتساءل
القارئ: هل هي من جراء كون منظمي تلك الجماعات أكثرهم من أكاديميين علميين غير
شرعيين؟ أم من جراء تدخّلات دسيسة غربية تهدف لتشويه سمعة الدين؟ الكتاب يرى أن
الجواب هو الأول، وتعدى ذلك بذكر بعض الصفات الشخصية التي قد تولّد مثل هذا
التفكير العنيف والأحادي والمتطرف؛ مثل العزلة والسجن (الذي هو موقع كتابة
كثير من الرسائل والكتب الجهادية).
أما عن مستقبل هذه الحركات الجهادية؛
فهذا اقتباس:
"... مستقبل التيار هو رهن
بتحقيق العدالة واحترام كرامة الإنسان، وإزالة أسباب الفساد والفقر والتهميش
والبطالة، وإحداث تنمية حقيقية مستقلة لا تقوم على أساس التبعية للغرب، وكذلك
حل القضية الفلسطينية على أساس من العدل."
تصبح على عدل أيّها العالم..
اللهم انتصرْ
بسّام –
مكة – 27/4/1440هـ