المشاركات الشائعة

الاثنين، 23 يونيو 2014

ملاحظات ومآخذ وتحليل لكتاب " وهم الإله - The God Delusion " للملحد الجديد ريتشارد دوكنز

باسم الله

ملاحظات على كتاب " وهم الإله " – سبحان الله وتعالى –

ملاحظات شاملة على عموم الكتاب :

·         في كثير من صفحات الكتاب لا يتعامل دوكنز مع الحجّة بموضوعيّة ، بل ينغزها بكثير من الهزلية غير الجادة أو غير الموضوعيّة ، وهذا يعطي تصويرًا لما يبدو عليه فكرُه من استخفاف بمسألة وجود الإله وإصرار على إبقائها بالخفّة التي يصفها بها وإن كانت أكبر حجمًا بكثير مما يصوّر هو أو يتصوّر ، أو ربما لخبث في هدفه يرتسم في الإيحاء لدى القارئ بسخف الدين والقضايا الإيمانية يئول لدى ضعيفي الفكر إلى مفهوم خاطئ  يدعم الإلحاد يعادي الدين غير قائم على دليل منطقي ، أو أنّه في الواقع يأتي بحجج واهية أصلاً ولا يُعتمَد عليها من قِبَل رجل دين واعٍ ، ولست أدري إن كان أهل الدين في الغرب فعلاً يعتبرونها . وإن تعامَل بحجة قِبَل الحجة فإنه لا يستغرق كثيرًا في التفنيد أو المناقشة ، ولا يصِل سوى لقشور ظاهرة من الحجة المقابلة ، ولست أدري أهذا مِن اغترار مؤقت بـ" نشوة الكتابة أو السخرية " أو شيء من هذا القبيل أم من استخفاف بالمسألة أم من قصور فعلي في تصوير المسألة يعود لقِدَم العهد وقلة الخصوبة الفكرية عما هي عليه اليوم أو خبث الغاية المذكور سابقًا ؟ أو ربما يكون هذا مناسبًا لبعض الحجج البدائيّة في أصلها ، ومذكور في الكتاب عديد منها ، وربما السبب في نشأتها هو البدائية الفكريّة في زمن سابق أو في أوروبا سابقًا أو شيئًا من هذا القبيل .

·         يظهر لدى الكاتب التعصّب لداروِن ، يظهر هذا في نفي كل ما يوحي بأنه كان فيه إيمان ، أو أنه أخطأ ، ويثني على كل ما انتسب إليه سواءً بقرابة أو عمل أو صفة . وبالطبع يجعله سببًا رئيسًا في الإلحاد ونقطة فاصلة في تاريخ التقابل بين الدين والإلحاد ، ومعروف أنه يجعل الدارونية طريقة نشأة كل العالم المادي حتى الفيزيائي – يحبّذ ذلك الافتراض على الأقل – .

·         يظهر لدى الكاتب أيضًا التعصب للإلحاد وجعل الذكاء والعلم والثقافة والرقي في صفه على الدوام والأغلب ، بحيث يؤوّل كلام العلماء الموحي بالتديّن إما بأنه خوف من المجتمع أو مراعاة له أو خوف على لقمة العيش أو مجرد صدفة لأنهم نشأوا في عصر كان الدين فيه سائدًا ، وهو – ولو استشهد ببعض من اعترف بهذا – لا يثبت في أي من أولئك الأشخاص بهذا الاعتباط . كما أنه يأتي بأخبار ومقولات عجيبة عديدة أشكّ شخصيًّا أن منها ما قد أُوِّل بشكل متحامل أو أنه مختلق من أصله ، وهذا نفسه ما يقع فيه أهل الأديان ويدفع أهل الإلحاد للتهكم والنقد .

·         يبتهج لنفع الحجج فقط لأجل الاحتجاج بها والانتصار لموقفه ، ما قد يدلّ على إرادة للإلحاد لا أكثر . وهذا يظهر مثلاً في تشبّثه بسؤال : ماذا إذا كنت مخطئًا تجاه زيوس ، أو ثُور ، أو أودن ... إلخ بدلاً من الله أو يهوه ؟ وبدعوى أن الخالق معقّد لأن قدراته هائلة ويستوجب تفسيرًا وهو لا احتماليته أكبر من لا احتمالية بداية الحياة صدفةً ، وهما مسألتان ربما لم يجدْ من يجيب له عليهما بشكل لائق أو أنه يتظاهر بأنه لم يجدْ ، ولكنهما ليستا المسألتين اللتين ينبني عليهما الإلحاد من الإيمان ونفي بقية الحجج والأسئلة التي تجد الجواب لها داعمًا لفكرة الدين والإيمان في أصلها .

·         يركز – بشكل متوقع – على الديانة المسيحية والتطرف الكاثوليكي فيها ، حيث لا تنطبق حججه التي يطلقها ضدّ هذا الصنف من الدين مع أديان أخرى ومذاهب أخرى أكثر عقلانيّة ودقّةً ورقيًّا ، ويكاد يبدو الكتاب كلّه كحملة انتقاديّة لسيئات فهم الدين عبر العصور والأزمان ، لا نقضًا لأساس الدين والفهم الدقيق والمنطقي له .

ملاحظات مفصّلة :

1-      الفصل الأول :
-          " احترام مستحق " :
·         يحمل دوكنز على التديّن بمحمَل أن الكثير من الناس إيمانهم ليس عميقًا بالغيبيات ، بل هي وراثة في أحيان أو غير ذلك في أحيان أخرى ، ويجعل هذا حجّةً للإلحاد ، وكأنه يعلّم الناس ما هم عليه ، وفي الحقيقة هذا لا يعدو كونه ضعفًا في الإيمان وقلة اهتمام به ، وهذا لا يثبت ولا ينفي شيئًا .
·         أكثر دوكنز من تأويل مقاصد الكتاب الذين اقتبس منهم بأن قصدهم غير معنى الإله المعروف ، بل مجرد مجاز ، على أنّ آينشتاين صرّح بعدم إيمانه شخصيًّا بالإله الشخصي ، ولكنْ – على عكس ما يوحي دوكنز – هو يرى وجوده ويشعر به ، على حين أن دوكنز يميت القوانين ويجعلها فاعلة لا أداة في يدي قوة أعلى . وقد أكّد دوكنز في تبويب " ديانات التوحيد " أن الربوبيين يؤمنون بإله خالق مصمم .
·         أنَفة دوكنز من استخدام كلمة الإله – ولو للفيزيائيين باصطلاحهم الخاص – فيها غير موضوعية لم يُذكَر الدافع لها سوى أنها تجنب لسوء الفهم ، وفي ثنايا كلام دوكنز يرى القارئ بشكل واضح الاستعلاء غير الموضوعي على الدين والسخرية غير الموضوعية حتى في اقتباسه .
-          " احترام غير مستحق " :
·         كل الأمثلة التي أوردها دوكنز على الصراع بين الأديان بحجة الدفاع عنها في أحيان هي أمثلة متطرفة لا تمثّل تعاليم الدين الإسلامي – في الحالات الإسلامية – على الحقيقة في الدعوة والدفاع عن العقيدة ومجازاة المعتدي س، وأخطاء من أبناء المسيحية ليست منطقية ولا أظنها طبقًا لدينهم سواء في الغايات أو الأساليب مثل السلوك المذكور تجاه المثلية الجنسية .

2-      الفصل الثاني :
-          المقدمة :
·         يصف دوكنز صورة المسيح – عليه الصلاة والسلام – الرقيقة والمتسامحة بالمخنّثة ! وتصريح " الأطفال المسيحيون يجب أن يكونوا لطيفين ومطيعين وجيدين كما كان هو " بالمثير للغثيان .
-          تعدد الآلهة :
·         تفسير أن التوحيد تطور لتعدد الآلهة ومن ثَم أن الإلحاد تطور للتوحيد هو لا يبدو قائمًا على دليل سوى أنه " قد " يكون صحيحًا تاريخيًّا .
·         لم يقدّم دوكنز شرحًا لأسباب تغيّر الآلهة من ثقافة لثقافة عبر العصور .
·         استخدم دوكنز تعدد الآلهة للتندر من عجز بعضها مقابلةً ببعض ، ومن تناقض مفهوم الثالوث ، بينما هذا لا يتوفّر في أديان كالإسلام ، أي في مفاهيم أخرى للإله .
-          ديانات التوحيد :
·         احتجّ من اقتبسه دوكنز – فيدال – أنّ كون المسيحية والربوبية تسمي الإله بالأب أن هذا الدافع للعدوانية والتمييز ضد النساء طوال العصور ، الاضطهاد موجود ، ولكنّ له أسبابًا أخرى أكثر قربًا ومنطقية ، كنسبة الخطيئة لأمنا حواء .
·         جعل دوكنز المسيحية واليهودية والإسلام في بوتقة واحدة لا يختلف أحدها عن الآخر بشيء معتبر ، وهذا خلط واستخفاف بدراسة الاختلاف بينها ، لا سيما الإسلام الذي لم يتورّط في النصوص القطعية في مسائل علمية ولا تاريخية دقيقة .
-          العلمانية والآباء المؤسسون والدين في أمريكا :
·         تبدو نقطة دوكنز الرئيسة في هذا الموضوع هي أن من أقاموا الدولة الأمريكية في أول وقتها كانوا علمانيين وربما ملحدين ، مقصينَ الدين عن السياسة بشكل كامل ، وأن الدين غير محتاج له من أجل النهضة والحضارة ، بل هو عامل عرقلة ، وذكر شواهد لهذا من نفس الآباء المؤسسين وغاندي ولابلاس وغيرهم . واحتج دوكنز على هذا بأنّهم لم يكونوا يعطونَ مسألة وجود الإله أو الدين أهمية ، ولكنّ هذا – بدلاً من اعتباره حجة نفي – هو دليل عدم اهتمام لا أكثر ، والجدل الأهمّ هنا هو : كيف وصلت البشرية لهذه المرحلة من التحضر والاكتفاء الفكري في هذا الزمان وعبر أي أداة وواسطة ؟ أليست الأديان عبر العصور مع تطورها ؟ سؤال يستحق البحث العميق .
-          فقر النظرية اللاأدرية ، هل يستطيع العلم أن ينفي وجود الله – سبحان الله وبحمده وتعالى – :
·         أظنّ أنه ينبغي إيجاد مثال آخر غير مثال التأكد من طريقة إدراك اللون الأحمر بين اثنين ؛ لأنه أصبح من الممكن عمليًّا تحديد اللون المشاهد بشكل متفق عليه عن طريق تردده .
·         يدعي دوكنز أن وجود الإله الإبراهيمي احتماله مساوٍ لاحتمال وجود زيوس أو إبريق الشاي الفضائي أو وحش السباغيتي ... ، وأنه فقط علينا التعامل معه لأننا نحتك يوميًّا بالكثيرين ممن يؤمنون بوجوده . وهذه مساواة في غير محِلها ، فتداعيات الله في مفهوم اليهودية والمسيحية والإسلام واقعيّة وتمسّ المعرفة المعاصرة بشكل قويّ ، وهذا أيضًا ردّ على أن مسألة وجود الإله غير ذات أهمية كما أن مسألة إبريق الشاي في الفضاء أو بابانويل غير ذات أهمية وكذلك كل الأسئلة المبدوءة بـ" لماذا " .
·         يقول دوكنز أنّ مسألة وجود الإله مسألة علمية بحتة ، مستندًا على أنّ أمور المعجزات والخوارق لها جانب علمي حيث إنها نقض للقوانين الطبيعية – انظر النقطة التالية – وأن هذا الموضِع الصحيح لأي افتراض ، ويفترض أن العلم سيفصل فيها يومًا ما . وهذا – فضلاً عن كونه مراهنة غير مدعومة بشاهد مقنع في نظري – هو يطعَن في وجهة نظره ؛ فالتعاطي الفلسفي والمنطقي مع الحقائق العلمية يقود للإله الخالق صاحب الخطة والإرادة الأولى والسابق للوجود ، على حين أنه يفترض أنه مسألة غير مدعومة بدليل إلى الآن . وربما قصده أن هذا غير كافٍ لتحديد الدين الذي يعتقد بهذا الإله ، ولكنّ هذا له سبُله المنطقية للإثبات أيضًا أو على الأقل الترجيح .
·         الركون إلى فكرة أن الاعتقاد بوجود الإله – الإبراهيمي على الأقل – تعني معجزاتٍ وخوارق للقوانين المعهودة من أجل الاحتجاج أن الكون بهذا الإله مختلف عن الكون بدونه – هو مرجعية غير وجيهة لإثبات وجهة النظر هذه ؛ فالذي قال بالمعجزات لم ينقض شيئًا من قوانين الطبيعة بحيث لا تقوم لها قائمة مدى الدهر ، بل استثنى ساعةً يقضي الله فيها بمعجزةٍ كآية وحجّة لقوم من الناس – إن وقعت المعجزة – . ولنا في هذا المقام أن نستذكر قول الله – عز وجل – في بيانه سبب عدم إرسال الآيات في أكثر من موضع كما في الآية : " وما منعَنا أن نُّرسِل بالآيات إلا أن كذّب بها الأوّلون " (الإسراء) ، و" وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جآءتهم ءايةٌ لَّيؤمِنُنّ بها قل إنّما الآيات عندَ الله وما يُشعِركم أنّها إذا جآءت لا يؤمنون " (الأنعام) ، وأظنّ أن مثل هاتين الآيتين تؤوّلان في معنى " آية " بالمعجزة الخارقة ، أما في آيات أخرى كآخر سورة النمل : " سنريهم ءاياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق " فإن " آية " تؤوّل بمعنى مصداق أو دليل لا يكون خارقًا للعادة أو القانون الجاري المعلوم في زمانه .
·         أصاب الكاتب في انتقاده مفهوم الاختصاصات غير المتداخِلة ؛ حيث إن الدين والعلم كلاهما يصبان في الفلسفة وبالتالي وجهة النظر تجاه العالم والحياة بشكل أساسي .
·         يُجاب على ادعاء عدم الحاجة إلى الدين إذا كان جل ما يورده لنا هو الأخلاق المتضاربة بين دين وآخر حسب بلد النشأة – يُجاب عليه بالسؤال السابق : " كيف وصلت البشرية لهذه المرحلة من التحضر والاكتفاء الفكري في هذا الزمان وعبر أي أداة وواسطة ؟ أليست الأديان عبر العصور مع تطورها ؟ " ، ويُزاد على هذا أنّ قدرًا مشتركًا من الأخلاق لا يختفي عن دين معتبر من الأديان المعروفة يجعلها قاعدة الأساس ومرجعًا دينيًّا لا يُجاوَز .
-          تجربة الدعاء الكبرى :
·         مثال عدم تأثير الدعاء في زيادة صحة العائلة المالكة ليس بحجة قويّة ، فالإخلاص قد لا يكون حاضرًا مثلَما في الدعاء للخاصّة والأكثر حاجة . والإخلاص معروفٌ أنّه مؤثر كبير في استجابة الدعاء بإذن الله .
·         يُشكِل في تجربة فعالية الدعاء – زيادةً على عدم الإخلاص والصدق – مبدأ تجربة الله وفعلِه واختبار ذلك ، وهو ما يُلاحَظ أنّه أمرٌ لا يقصده أحدٌ إلا خاب ، كما أنّه مُلاحظ أنّ الدعاء ينجع كثيرًا جدًّا في حياة الفرد في توفّر حيثيّات معيّنة أو بعضها . والله أعلم .
·         ليس الداعي لاستنكار التجربة هو نتائجها ، بل منطلقها ومبتدأها الأول .
·         دوكنز يستنكر ويستبشع تعليق سوينبورن أنّ المصاعب فيها خير كثير وضرورية بأنّ هذا أكثر من هزلي ، والحقيقة أن ما قاله على العكس تمامًا ، بل هو بُعْد نظر وتفاؤل وسَعة في التفكير ، ولكنّ من تشبّث بحجة الشر في العالم وضيّق من أجل ذلك فكره قد يستنكر ويتشبّث بالاستنكار ولو بان له ما بان . ولكنْ إذا وصل ما قاله سوينبورن لحدّ طلب المشكلات وتبرير المعاناة وعدم دفعها فإنه يصل لتناقض كبير ساذج مع الذات والفكر .
·         يسخر دوكنز من الإيمان بفعالية الدعاء وأنّه حتى لو لم يأتِ الدعاء بنتيجة فالمؤمنون سيظلون منتظرين ما يدعمه بإيمان كامل ، والحق أن هذا الإيمان لم يأتِ اعتباطًا – وقد لا يمكن أن يأتي بهذه الطريقة – بل من تجربة معيشة للفرد يؤمن من خلالها أن الدعوات فعالة جدًّا في شروط وكيفيات محددة ، فهو قائم على واقع مَعِيش لا قائم واقع مأمول مُؤمَن به إيمانًا أعمى .
-          مدرسة التطوريين السياسية :
·         ليس هناك مانع من محاربة التعمية العلميّة والافتئات على الأدلة العلمية ، ولكن هناك مانع منطقي بدَهيّ مما يتبنّاه دوكنز هنا من التثريب على المتدينين المتوسطين الذين يقرّون بالتطور ويقولون أنه لا يمثّل اعتراضًا للدين ، بحجة أن هذا استمرار لمبدأ الاختصاصات غير المتداخلة ، بيْد أنه – بلا شكّ – هناك أمور لا تؤثر على أمور أخرى بأي شكل من الأشكال ، إن التطور لن ينفي وجود الخالق بحال ، ولا صدقَ قول : " الله خالِقُ كلّ شيء " ، لا سيّما إذا كان نتعامل مع كتاب مرِن كالقرآن العظيم الذي لم يتطرّق لكيفيات محددة للخلق أو تفسيرات مفصلة للظواهر الكونية . وزعم دوكنز أنّه لا مجالَ للتوسّط – في هذه المسألة بالتحديد – هو ربما طلب لاستمرار الصراع القائم بين الدين والإلحاد أو ربما غير ذلك ، ومع هذا قد يكونُ هناك من المتوسّطين من لم يتّخذ موقِفه لسبب غير أنّه لا يريد مناقضة الدين وربما تراثه الديني يناقض العلم في تفاصيله ، وهؤلاء ربما وجدنا السبيل لاستنكار عملهم بحجّة أنها غير قائمة على تمحيص عقلي ومنهجي للمسألة ، ولكنْ هناك المتدينين بعمق وهم علماء ولا يزيدهم علمهم إلا تدينًا وروحانيّةً ، على عكس غير المتدينين عمليًّا والذين لا يعبأون في ظاهرهم بمسألة الوجود الإلهي أو صحة الدين ومع هذا منهم من يدعي بلا تفكير تماشي الدين مع العلم مع أنّهم لا يعرفون ولا يمارسون من الدين الكثير .
-          الأقزام الخضر :
·         يظهر من موقف العالمة التي اطلعت على النجوم النيوترونية ( النوابض ) بعد اتضاح أن الإشارات الأولى التي اكتشفتها ثم اكتشفت بعدها غيرها – من رد فعلها ورد فعل دوكنز بأن هذه الإشارات لا تدل على ذكاء بل هي نتاج ظواهر فيزيائية طبيعية – يظهر وجهة نظر مختلفة معاكسة تسأل عما جعلنا نظنّ في البداية أنها تدلّ على ذكاء ، أكانت ذكاءً دالاًّ على تصميم ثم انعكست صورتها ؟! أم أنّ الأمر أن الذكاء – في نظرنا – إذا جاء في الطبيعة فهو ليس بذكاء ذي بال ، أيْ أن التصميم الذي يؤشر على مصمم لكل الكون يجعلنا في انزعاج من الدلالة المباشرة على المصمم بسبب كفر البعض أو سذاجته ؟!
·         وضع دوكنز التعريف للإله أنه الخارق أو فوق الطبيعي ، ومن هذا المنطلق اتّجه لقول أننا لو اكتشفنا كائنات ذكية خارج الكون وأذكى منا فهي ستبدو لنا خارقة كما كان شق البحر لموسى وبني إسرائيل ومشي عيسى – عليهما الصلاة والسلام – على الماء ، ونستطيع أن نفرق بين كونهم فوق طبيعيين أو مجرّد متطورين من خلال النظر في مصدرهم ، فإذا كانوا معقدين فلن يكون هذا التعقيد موجودًا منذ البداية بل تطور ، ولذلك لا يستدعي الإعجاب بل هو طبيعي ، وهذا هو نفسُه ما يدحض تشبيهه هذا وزجّه إياه في معرض مناقشة وجود الإله ، إنّ الإله الذي نزعم وجوده ليس طبيعيًّا ولكن من مستوًى أعلى ، بل هو لا تنطبق عليه الطبيعة من الأصل وبالتالي لا يخضع للقياسات ، فالتشبيه داحض وغير مكين . وقوله أن فوق الطبيعي أو المصمم يحتاج شرحًا أكثر بكثير مما يعطيه للكون ، فإن افتراض وجود المصمم القدير فائق الوجود أكثر واقعية وقربًا من العقل مما سواه في ظل المشاهد والملاحظ .

3-      الفصل الثالث : الدليل على وجود الله :
-          أدلة توماس الأكويني :
·         تعاطي دوكنز مع الأدلة الثلاثة الأولى من أدلة توماس الأكويني تعاطٍ بدائيّ غير عميق . استنكر دوكنز جعل الإله الخالق خارج الزمان وقال أن ذلك لا مبرّر له ! والحال أنّ هذا هو مفهوم الله لدى أيّ عامّيّ ربما مثقف قليلاً في فلسفة الدين . وذكر أنّه لا مبرّر أيضًا أن نجعل ذلك الخالق ذا علم كلي أو رحمة أو قدرة ، وهذا يتعارض مع الخلْق نفسه ، فالخلق يدلّ على قدرة هائلة فائقة ، وعلم دقيق مفصّل ، ورحمة وعناية ، واحتجّ دوكنز هنا بحجة وجود الشر على أن العلم الكامل والقدرة الكاملة لا تجتمعان ، وهي حجة باطلة في موضعها . ثم يقول أننا يمكننا إحلال شيء آخر مكان الخالق بالانفجار العظيم أو أي تفسير فيزيائي " غير مكتشف بعد " ، والحقيقة أنه لا شيءَ من هذا يحِلّ محل الخالق ؛ لأن الأشياء لا توجد نفسها ولا تكتسب طبيعتها من ذاتها ، ولا تحتاط لنفسها لأجل أن تتكيف وتنجو . أما جدليّة " هل يستطيع الإله تغيير رأيه ؟ " فهي ليست الأساس الذي يُبنى عليه الجدال هنا ، وهي تفترض أن الخالق لم يعلمْ بما سيعمله البشر من شر مثلاً ، أو ندم على خلقهم ، وربما هذا يعود لبعض أدبيات اليهودية أو المسيحية ، ولكنه ليس له مكان في الثقافة الإسلامية على الإطلاق ، بل الله يخبرنا بعلمه المسبق وتقديره الجنة والنار على حدّ سواء للناس من مصلح ومن مفسد ، وما هذا إلا لعلمه المسبق ، أما من ناحية القدرة فهو قادر ، فهو يمهل تارةً ويعجّل تارةً – سبحانه – ، وهو أخبرنا أن الحساب الحق في الآخرة لا في الدنيا ، وأناط بنا مسئولية الإصلاح والإحسان لا بنفسه ، ولم يخلقْنا دوابَّ تسيَّر ولا تخيَّر .
·         الدليل الرابع لتوماس الأكويني إما أنه فُهِم خطأً أو صِيغَ خطأ . هذا الدليل يفترض منه أن يخبرنا بأن فكرة الإله ذي الكمال والدرجة المطلقة في القِيَم تعطي حيواتِنا معنًى وأفُقًا قِيمِيًّا أعلى وأٌرقى بدرجة كبيرة مما لو لم يكن لدينا هذا ، ولكن ليس من المفترض منه أن يكون دليلاً على وجود الله ، هو يشرح القيمة العظيمة التي يعطينا إياها العلم بوجوده ولكنْ لا يعلّله بشكل كافٍ . وتعامل دوكنز مع هذا الدليل هو إما بسبب خطأ فهمه هو أو خطأ صياغة وخلفية الدليل نفسه .
-          الحجة الوجودية دلائل أخرى سالفة لها :
·         لست أدري إن كان تخيُّل شيء يعني وجوده ، وما إذا كان وجود الشيء يعطيه قيمة وبالتالي وجوده باللزوم ، ولكنّ دوكنز نفسه قال أنّ أمر إثبات وجود الإله أكبر من أن يحلّ بلعبة لغوية ، وهذا هو ما هي هذه الحجة . وعلى كلّ حالٍ ليست هذه الحجة الأكبر التي يحتجّ بها وجودُ الإله .
-          دليل مبني على الجمال :
·         أورد دوكنز حجة يقول أنها مألوفة – وهذا داعٍ للتعجب – ، وهي الاستغراب من عبقرية فنانين أو أدباء كمايكل أنجلو وموزارت وشكسبير إذا كان الله غير موجود ، وهي حجّة ليست بحجّة أبدًا وهي سطحيّة جدًّا لا تتطرّق للمسألة ببعدها الواقعيّ الحقيقي ، وقد اقترح دوكنز أنه ربما يكون هذا منتسبًا لحجة التصميم الذكي والتي أجّل الحديث عنها للفصل الرابع .
-          الدليل القائم على التجربة الشخصية :
·         تطرق دوكنز فقط للتجارب فوق الطبيعية التي على شكل كلام مسموع أو رؤية خيال أو رؤيا منامية ، وأنكرها – ومعه أغلب الحق والمصداقية العلمية في هذا – ، ولكنه لم يتطرّق للتجارب الشخصية في الدعاء واستجابته والتجارب الناشئة مع الروحانيّة العالية من خلال التنبؤ بأحداث بدون مقدمات أو صلاح الأمور بعد التديّن وتبدّل الأحوال به . والله أعلم . وقال أنه سيتطرّق للهلوسة في الفصل العاشر .
-          الحجج من الكتب المقدّسة :
·         ما ذكره دوكنز من مسائل محيرة تاريخية في العهد الجديد ( الإنجيل ) هو وجيه في الغالب ومعتبر في المنهجية الموضوعية ، ولكنّ هذا لا يتطرّق " للكتب المقدسة " الأخرى كالقرآن ، بالإضافة إلى أنه لا ينفي أن هناك أمورًا ينبغي التدقيق فيها واستيضاح صحتها بحيث لا يتطرق لها الخلط التاريخي أو اللغوي كما في غيرها كوجود المسيح أو مكان ولادته وقصته الدقيقة . ولهذا ما ذكره دوكنز في هذا الباب لا يدحض كل احتجاج بالإنجيل أو القرآن بالأحرى ، وربما كذلك العهد القديم الذي لم يتطرق لذكره بشكل واضح هنا .
-          الحجة من العلماء الكبار المتدينين :
·         في أول الباب يستمرّ الكاتب في طريقته في الاعتذار للعلماء القدامى لأنهم متدينون بأنه تأثير البيئة أو قصور العلم أو ربما عدم وجود دارون ! وهذا واضح الضلال . ولكنه بعد ذلك يشير إلى أن غالبية العلماء المعاصرين في القرن العشرين ملحدون غير متدينين من خلال بعض الإحصائيات الخاصة في مرافق مختلفة في أمريكا وبريطانيا ، وهذا صعب الإنكار ، وجدير بالتساؤل حيالَه . وقد يُوعَز هذا إمّا للخلط التي تعرضتْ له المسيحية واليهودية من خلال تحريف الإنجيل والتوراة والتعرض لأمور تاريخية دقيقة باستنباط خاطئ من كتبهم ، وإمّا إلى الدعاية العالمية الكثيفة للمفاهيم العلمية التي يزعم الخلقيون أنها خاطئة كالتطور والأعمدة الجيولوجية وغيرها مما استُخدِم ضد الثقافة الدينية المسيحية واليهودية وربما الإسلامية في بعض الأمور .
-          رهان باسكال :
·         ينبغي أن يكون سعي وحسّ الملحدين في قضية وجود الإله صادقًا تمامًا وشفّافًا حتى يصدُق أن الشك الصادق عند الله أفضل من الإيمان الكاذب أو ربما حتى الصادق كما يقول دوكنز ، والله أعلم بدواخل هؤلاء ونواياهم ، والله لكلّ فردٍ منهم حسيب على حدة .
-          حجة باستخدام مبرهنة بايز :
·         لم يوضّح الكاتب مبرهنة بايز وإنما صوّر منها الملامح السطحيّة وأطلق أحكامًا من عنده عليها ، وعارضه في بعض التفاصيل مثل السبب في إقصاء حجة التصميم الذكي ومثل اعتبار فكرة أن الإله يتعارض مع وجود الشرّ حيث يرى أن هذا ليس ضروريًّا . وقد يكون حكمه عليها بأنها أضعف الحجج صحيحًا ، ولا يغيّر هذا شيئًا .

4-      الفصل الرابع : لماذا الاحتمال الأكبر هو عدم وجود الله :
-          طائرة البوينغ 747 الكبرى ، الانتخاب الطبيعي والوعي :
·         يقع الكاتب كغيره في مشكلة اعتبار فَهْم الآلة مناقضًا لوجود خالقها ، ويجعل الانتخاب الطبيعي رافعًا للحاجة عنا لوجود إله خالق صاحب غاية ، وليس هناك شيء يقدّمه الانتخاب الطبيعي أو الدارونية يشرح لنا كيفية قدوم الحياة في المقام الأوّل ولا السبب في وجود الآلية التطويرية الفطريّة هذه من الأصل والتي توصلنا لمخلوقات معقدة ذات مستويات متقدّمة في التفكير والوظيفة – حسب إدراكنا وعلمنا ، هذا إذا سلّمنا أن الخلق كان بكيفية التطور الماكرُوِيّ وأن بعض المخلوقات يتطور من بعض – .
·         القول بأن افتراض وجود الخالق هو مثل افتراض وجود التعقيد بالصدفة هو نفسه الافتراض أن القوانين المعروفة والتي تعتبر مخلوقة للخالق تنطبق عليه ، وهذا منافٍ للمفهوم المتفق عليه للإله والخالق ، هذا على التسليم بأنّ الطريقة الدارونية في تفسير الحياة تصلح لتفسير الوجود الفيزيائي وكل الموجودات غير الحيّة ، ولو لم تصدقْ عليها فلا سبيلَ للإلزام بها عند نقاش غير الأحياء ( بقولنا : الأحياء نعني مخلوقات الطين الماديّة ، وهي غير الأرواح والوعي الذي لا دخلَ له بالمادة على الأقل في يومنا هذا ، ومفهومنا عن الله – سبحانه وتعالى وعز وجل – ليس ماديًّا أبدًا ) .
·         للرّدّ على الادعاء بأن الإيمان بأن التطور هو آلية الخالق في الخلق هو مصوّر لإله كسول اختار أقصر الطرُق نقول أنّ هذا لا ينطبِق مع فكرة الإله الشخصي التي يؤمن بها غالبية المؤمنين العظمى اليوم ، ومن ضمن المفاهيم التي يُردّ على هذا بها فكرة أن الكون كلّه يوجد ويفنى كل لحظة ولذلك يحتاج من يوجده كل لحظة ، وحتى مفهوم وحدة الوجود تبطِل هذا الادعاء – الذي وردَ بشكل عارِض غير جدليّ ولا جادّ في الأصل – .
-          التعقيد غير القابل للنقض ، ولعبة الحلقة المفقودة :
·         إذا كانت هناك فجَوات ضخمة في المتحجرات التي لها أن تثبت التطور بشكل مُفحِم للخلقيين فلماذا نظلّ ندافع عنه كأنه مسلمة ومثلما يصف ذلك أحد الخلقيين بأنه محاولة لتجميع الأدلة بعد – وليس قبل – وضع النظرية ؟! ولمَ لا تكون المتحجرات مجرّد طريقة في التفرقة بين مخلوق ومخلوق في بيئة دون بيئة ؟!
·         هل للتطوّر دورٌ في فهم الوظائف الحيوية والانتفاع بها في الطب ، والإيمان بالمصمم يقعدنا عن ذلك ؟
·         في قول الكاتب : " في عصب لارينغ – أحد الأمثلة – يفضح أصله التطوري بتبذيره الكبير في الطريق المتعرّج الذي يسلكه للوصول للهدف . " يكشِف لنا عن حقيقة تصميم وغائيّة التطوّر بحد ذاته – إن ثبت وقوعه – ، ويأتي سؤال : من/ما الذي وضع الهدف ولماذا ؟
-          المبدأ الأنثروبي النسخة الكوكبية :
·         لا يفسّر المبدأ الأنثروبي – حسبما شرحه الكاتب – حتميّة وجود الكوكب المتفرّد هذا من بين " مليارات الكواكب " غير المؤهّلة لـ" تطور الحياة " ، مثلما أنّ التطوّر نفسَه لا يفسّر سبب سعيِه لخدمة بقاء الأنواع وتكيّفها مع البيئة وتحسينها لتعيش فيها .
·         القول بالمصمم يفسّر كلّ شيء متى ما قلنا أنه السبب الذي هو سبب كلّ مسبّب والذي لا يحتاجُ إلى سبب ، وإن كان هناك نقد لهذه الفكرة فهو نقد لما تدعو له من قعود عن التطور العلمي النافع – إن دعت إليه حقًّا وإن كان التطور العلمي كله نافعًا ، خاصةً الناشئ من نظرية التطور – .
-          المبدأ الأنثروبي النسخة الفلكية ، واستراحة في كامبردج :
·         مثلَ المبدأ النثروبي النسخة الكوكبية – لا تقدّم النسخة الفلكيّة أي تفسير لضرورة وجود كون صالح للحياة دون وجود صاحب هدف وقصد .
·         يقع الكاتب بشكل أكثر وضوحًا وعصبيّة في ادعاء أن الإله يجب أن يكونَ معقّدًا جدًّا جدًّا فيستوجب تفسيرًا هائلاً ، وهذا الادعاء يغفل عن منطِق السبب واجب الوجود والذي يغلق بشكل تامّ سلسلة السببية غير المنتهية التي يبدو أنه يفضّلها ويحتجّ لذلك على مفسّري الوجود بالله . ماذا لو كانت البساطة في الأصل هي نتيجة التعقيد والبدائيّة نتيجةَ الكمال والرفعة – لا العكس – ؟
·         اقتراح أن الخالق المستقلّ – الله – سبحانه وتعالى – ينطبق عليه ما ينطبق على الكون ( من حاجة إلى سببية أو تطوّر ) هو تناقُض فكري ، ولهذا لا يقول به مؤمن – على الأقل في الأديان الإبراهيمية – ، على حين أن الكاتب يدّعي حتميّته .
·         بدلاً من القول بأن حجة " أقوال آتية من القرن التاسع عشر " هي ضعف لدى الطرف المقابل وعدم رغبة في الإهانة – كان الأليق بشكل ظاهر القول بأن هذه الحجة تهدِف للاستخفاف بهذه الأقوال الآتية من الماضي وأنها مستهلكة ولم تعدْ لها قيمة .

5-      الفصل الخامس : جذور الدين :
-          المقدمة ، والفوائد المباشرة للدين :
·         يظهر أن الكاتب ومن يسير على نفس خطاه – وقبل كلّ شيء – يفترِض أن الداروينية يجب أن تفسّر كل شيء أو أن المادية يجب أن تفعل هذا حتى فيما يتعلّق بالفكر والدين ، بغض النظر عن حقيقة الدين وتضميناته . وهذا يبدو أنه قد يؤدي لسوء فهم وتصوير المسألة وبالتالي عدم دقة الحكم فيها .
-          الانتخاب الجماعي :
·         لم يبدُ لي مفهوم الانتخاب الجماعي واضحًا ربما لأن الكاتب لم يركّز على ذكره ، ولكنّه عدّه غير جيد وعليه عدد هائل من الاعتراضات .
-          الدين كناتج عرَضي لشيء آخر :
·         نعرِف بداية الإسلام – كأحد الأديان – وهي ليست كما وصفه من تعاليم هدفُها البقاء ونقل المعرفة من جيل لأخر ولو بطريقة خرافيّة لتصبح أكثر تقبّلاً لدى الأطفال ، بدأ بوحْي مختلف عن أي تجربة أخرى ، لم يعتنِ بالتفاصيل أكثر من المعاني الكبيرة ولم يرتّب عليها أمورًا محددة جدًّا كما يُصنَع مع الأطفال ، تنبأ بأمور اكتُشفتْ حقيقتها بعدها في أزمان مختلفة ، دعا لأمور لم تكنْ ذات رواج في الجماعة التي نشأ فيها ( خلافَ ما يذكره من أنه أمرٌ لصالح الجماعة بشكل ظاهر ) ، لم يدعُ لإيمانٍ أعمى بل بالمحاججة والمناعة الفكرية ، اقترن بتجارب شخصية لأهْل الإخلاص فيه ... إشاراتٍ على عدم لياقة هذه التفسير لنموذج هذا الدين على الأقلّ وكل دين شابهه في هذا . ولكن ربما الكاتب عدّ الدين من هذا القبيل لأنه لم يلقَ في مجتمعه أكثرَ من أمنيات دينيّة بالغة اللطف أو تعاليم متطرّفة تلقّاها في الصّغَر ، ولكن مع هذا فغريبٌ اعتباره الدين من هذا القبيل ؛ لأنه ذكر أن مصادرَ مماثلة لا تكفي لكلّ تلك الشعائر الكثيرة الخاصة الكيفية ، ولكن لعلّه وجد لهذا تفسيرًا على أنّه ناتج عرَضي لموضوع الحفاظ على التراث لدى الأطفال وسلامتهم ومعرفتهم – ناتج عرضي غير مناسِب في ظرفه الحالي .
·         يكبُر الناس ولا يجِدونَ ما يخالف في أديانهم العقول بل ما ينسجِم معها كثيرًا .
·         ادّعاء عدم حصول المعجزات مع ثبوتها تاريخيًّا لا وجهَ لهُ ؛ فالأمر مثل من يسمع نظرية علميّة خاصّة متقدمة لأول مرة من مصدر لا يعتبره موثوقًا .
·         يفترض الكاتب في الأساس من محاولات تفسيره أن الدين هو أمرٌ مضرّ مثلما أن جبِلّة العثّ على وضع مصدر الضوء في زاوية 30ْ من العين أو الرأس هي مضرّة في حالة خاصّة ، وأغلب الظن أن هذا الافتراض ينبع من استحضار موضوع الصراع بين الأديان أو تأخير الدين للعلْم ، ولو طُبّقتْ تعاليم الدين الأصيلة لما كان شيء من هذا وما كان الدين مضرًّا أصلاً .
-          الإعداد النفسي للدين :
·         ليس هناك من غضاضة في كون الإنسان معدًّا حيويًّا للإيمان والدين ومثنوية التفكير ، بل هذا يظلّ بلا تفسير ( لم يعطِ الكاتب التفسير لمثنوية التفكير ولا فائدتها التطورية ) ومعرقلاً ما دام متجاهَلاً من قِبل الشخص وقابلاً أيّ خيار سوى خيار التديّن . وكونُ الشيء طبيعيًّا حيويًّا لا يعني خطأه ، فليست كلّ مرة نخاف فيها هي خوف من وهم ، وليست كلّ مرة نقع فيها في الحب يكونُ ذلك خطأً ، وكذلك يكون في أحيان إدخال الدين أو الفعل الإلهي في الأمر خطأً ووهمًا ، بل ليس هذا في كلّ حين ؛ فهناك ما لا يفسّر لغرابته وشذوذه وعدم توقعه المترافق مع ذلك إلا بفعل علوي ، كالإعجاز العلميّ أو التاريخي أو استجابة الدعوات المتكرّرة ( مع التأكّد من عدم وجود أيّ سبب ماديّ كان قبل الدعاء ) أو التجارب الدينية المختلفة المشابهة ( مع مراعاة الشروط نفسها ) .
·         مقارنة الدين بالحبّ ولو من ناحية التأثير في بعض الأحيان – لا غضاضة فيها ولا تدعو لادعاء وهم الدين ، بل إن الحبّ محترم ومعظّم لدى كل الناس لا سيّما خاصّتهم ومثقفيهم ومفكّرين وفنانيهم – أي صفوتهم . ويظهر أن الكاتب يناقض نفسَه ويجعَل الدين – بعدما جعله تكيّفًا أصليًّا نافعًا غالبًا – يجعله ناتجًا عن تكيّف الحبّ الأصلي ، أدى بشكل خاطئ في بعض الحالات إلى الشعور الديني . هذا غير أن تعظيم الله والشعور تجاهه والوقوع في حبّ أنثى أو وقوع أنثى في حبّ ذكر يختلِفان بشكل واضح . وكون التدين والحبّ قابلَين للاستغلال بشكل سيئ جدًّا لا يعني أنهما خطأ ، كما أن حسن الظن والثقة في الناس أصلاً ليست خطأ .
·         تستحضر في هذا المقام جدليّة الذكاء فوق العاديّ للإنسان والذي يتجاوز هدف مجرّد بقائه ، وكذلك التجارب الروحية إن ثبتت مثل الخروج من الجسد والتخاطر والوعي ، فإذا صحّت وصدقتْ فهي تجيء مصداقًا لما جاءت به الأديان من قبل من الإيمان بالروح وهدفيّة الخلق كلّه وغائيّته .
·         بقاء الدين الأصلح هو أمرٌ بدَهيّ واضح ، ولكنْ بدلاً من تعليله بأن الإنسان يطوّره كلما تقدّم ، فإننا نقترح أنه يعود لأصله كل فترة بعدما تحرّف بسبب الأوهام الناتجة من الأخطاء الإنسانيّة في الإدراك والخرافات وربما أحيانًا بسبب نوايا سيئة ؛ وذلك لأنه هدفٌ بذاته متعلق حتميًّا بالنوع الإنسانيّ .
·         قد تبدو إرادة الإلحاد غير المعززة بمنطق هادف هنا واضحة ؛ فحجّة فطرية وسذاجة الإيمان غير كافية في جميع الأحوال لدحض كل الدعاوى الدينيّة ، ومع ذلك يحتجّ بها الكاتب . فإمّا أن وعي الكاتب والناس في وقت كتابة الكتاب لم يكنْ يرتقي لفَهْم الفجوة غير المُجاب عنها ، وإمّا أن البيئة هنالك لم تكنْ تُظهِر الدين بكلّ تعقيده وعمقِه – وياللأسف ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، والله يقطع كلّ مفسد مضلل على علم – ، وإمّا أنه ارتاحَ لوجود طريق غير مكتمل كهذا وسلَكه لعلّ هناك قصيري نظر ممن يغترّ ويظنّ أنه سيصل إلى غايته من الاحتجاج .
-          تقدم بهدوء إنك تدعس على ميماتي ، وطائفة شحنات البضائع :
·         ليس هناك في الفصلَين ما يمسّ الدين بشكل قويّ إذا فكّرنا فيه بشكله الجدّيّ غير المتوقّع ولا المفسّر كما في الدين الإسلامي مثلاً سوى مثال طائفة شحنات البضائع ، وليس في مفهوم الميمات ما يحرّج على الدين إذا نُظِر إليه بمفهومه العميق والفطريّ ، بل هو نظرية جديدة مثيرة للاهتمام ومُبهِجة لمحبي المعرفة !
·         إذا صحّ ما ذُكِر ( في غير الكتاب هذا ومن مصادر مختصة بمفهوم هذه الطائفة ) أنّ طائفة شحنات البضائع كانت تعتقد أنّ أرواح الأجداد وهبتْ الطيبات والأدوات المتقدمة للأمريكيين فهذا يطرَح سؤالاً كبيرًا : من أينَ أتواْ بمفهوم الروح ؟! ففي كتاب " مجتمعات محيط-هادئية معاصرة : دراسة في التطور والتغير " وغيره يُذكَر أن الفكرة المستحدثة عن مفهوم طائفة شحنات البضائع المستحدَث يعرّفونه بأنها تنطبق على مناظير مستحدثة عند الطائفة معتمدة في العادة على أفكار قديمة متوارَثة ، أيْ أنّها لا تخترع إيمانًا جديدًا كليًّا . إنّ هذا يؤيّد النظرية الدينية القائلة بأن كل إنسان هو على الفطرة والتي يفترض أن يعزّزها الدين والإيمان بالخالق والأبعاد الأخرى وكذلك أنّ في كلّ أمة رسول ، وكذلك يؤيّد فكرة أنّ الناس قابلون للانحراف في الدين ، ولكنّه حتمي الوجود ، والمصدر الثابت العلويّ في كلّ فترة يتنزّل بوحيٍ يقوّم المفهوم المختلّ ليعودَ به إلى وجهه القويم المعتبَر وبشكل غير قابل للتجاهل أو ادعاء وهمه ولبسه . وإلا فبمَ يُفسّر الوحي والإعجاز العلميّ والتجارب الروحيّة ، والفطرية الروحية الدينية – بالإضافة إلى ما سبق – ؟!

6-      الفصل السادس : منشأ الأخلاق : لماذا نحن صالحون ؟
-          المقدمة :
·         لا ينبغي أن تكون الأمثلة محاجّة على أن الدين في شكله الحقيقيّ حاضّ على العدوانيّة والبذاءة ، ولكن لم يعتذر الكاتب للدين من الأمثلة السيئة من صندوقه الوارد إلا في بعض جملة بأنّ تلك الألفاظ والرسائل لا تعبّر عن مؤسس المسيحية وأخلاقه التي تميّز بها ، وهذا كافٍ في الحقيقة ، بالإضافة إلى أنّنا لا نعلَم مؤهّلات ومكانات وأشخاص المرسلين ومدى قابليّتهم للمجادلة في موضوع كهذا ؛ فالدين والمقدسات بحدّ ذاتها تحرّك النفوس للدفاع عنها ولو قلّت العدّة لذلك ولم يكن الشخص مؤهّلاً له ، فليست عيّنة الرسائل بعيّنة ملائمة للحكم على الأخلاق التي يقدّمها الدين على الحقيقة . هذا علاوةً على أنه لم يُذكَر كيف هي رسائل الملحدين للمتديّنين ، أهيَ أسوأ أم أفضل أم مثلها ، أم أنّ الملحدين يحذرون من ذلك حتى لا يقعوا في نفس ما انتقدوا عليه المتدينين ؟ مع غضّنا النّظر عن معرفتنا الواقعيّة بنظرة الملحدين للمتديّنين عمومًا بازدرائهم واحتقار ما هم عليه والسخرية منه في كلّ ميدان ، عدا أن ذلك منهم قد يكونُ خاليًا من ذكر الجحيم وغضب الله – سبحانه ونعوذ به – .
-          بقية الفصل :
·         إنّ الإيمان في أغلب الأحيان لا يجعلنا نكون أخلاقيين لأننا نخاف العقاب أو نرجو الثواب ، بل الذي يدفعنا لذلك هو المعاني التي نقتبسها من الله – سبحانه وتعالى – نفسه ، والحب الذي نجده في أنفسنا تجاهه – تبارك وتعالى – ، حتى إن بعض علماء المسلمين قال في معرض الآية : " فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشركْ بعبادة ربِّه أحدًا " أن قصد الجنة بالعبادة يعتبر شركًا بـ" أحد " ، والجنة تعتبر بذاتها " أحدًا " ؛ فافتراض أن القول بأن الإيمان يوفّر نفاقًا أو يدسّ لا أخلاقيّة قبيحة هو غير دقيق وغير واعٍ بالمسألة على حقيقتها . والله أعلم .
·         إنّ إحصائيات الإجرام في الولايات الأمريكية المتدينة وغير المتدينة والمقارنة بينها لا تعطي الاستنتاجات الصحيحة ؛ لسبب ذكره الكاتب نفسُه ، وهو أن الشخص غالبًا لا يصل للإلحاد إلا باطلاع وتثقّف ؛ لأن الإلحاد ليس بالأمر السائد ولا الظاهر ، علاوةً على أنّنا لا نعلم عن تديّن الأفراد وما إذا كانوا في حالة إلحاد عمليّ أو لا ، هذا علاوةً على أنّ الإجرام قد تدخله عوامل كثيرة أخرى حادثة في كل ولاية من الولايات لم يتطرّق لها من اقتبس منه الكاتب الإحصائيات . والله أعلم .
·         إنّ افتراض كون الكثير من الأخلاقيات فطريًّا " تطوريًّا " ليس به حرج ؛ فلولا الأصل الفطري الذي ينادي بالأخلاق والصحيح من الأمور لما وُجِد الباعث لاتباع الأخلاق والمبادئ التي يدعو لها الدين . ولكنْ يظلّ هناك سؤال قائم : هل كل أخلاقنا وقيَمنا نأخذها من طبيعتنا ، أم أنّ هناك قيمًا لو لم نأخذها من الدين لما عملنا بها ( مثل حرمة الإجهاض والإباحية وزنا المحارم بغض النظر عن الشذوذ الجنسي ) ؟ والكاتب يعرض في آخر باب من الفصل لهذا الأمر في معرِض حديثه عن القيم المطلَقة التي لا تتحدد بحالة ولا مصلحة ظاهرة ، مدعيًا أنه من الجيد أن الأخلاق لا يجب أن تكون مطلقة ، وأنّ النفعيين والنتائجيين " العمليين " هم أكثر ملاءمة ومعقولية ، طارحًا مثالاً يدعي أنه ينتمي لمثال المطلقين " الواجبيين " ، وهو مثال الوطنيين الذي يدعون للتضحية بكل شيء من أجل الوطن ولو كان الوطن ظالمًا ، على حين أن القيم المطلقة التي نعرفها من العدل وعدم مساندة الظلم والدفاع عن الحقيقة أينما كانت ومع من كانت تدعو للنقيض من هذا ، والدين من أوائل الداعين للنقيض . ويبدو أن الكاتب يختم الفصل – كالعادة – دونَ أن يقدّم الجواب النهائي القاطع بأن الإلحاد هو صاحب التبرير الأكثر قوامة ، فلم يطرحْ ما يقطع بأن كل الأخلاق والقيم المطلقة هي نتاج النفع الحيوي التطوري العائد منها عبر العصور أو أنّ القيم المطلقة ليست ذات المنحى الأوجَهِ في مسألة الأخلاق ، ويبدو من هذا أن الإلحاد فعلاً يقدّم لنا حلاًّ نفعيًّا ماديًّا بحتًا لا يقف في صف الإلحاد بل يقدح فيه بشكل سيئ ، ولا يفوت الكاتب أن يزعم أنّه حتى لو كان الإله يجعلنا أكثر أخلاقية فهذا لا يثبت وجوده ولكن يثبت تمنينا وجوده أكثر ، وينطرح هنا سؤال : إذا لم تكن الأخلاق تطورية ، ولم تكن الأخلاق النفعية صالحة في نظرنا ، فما الذي سيوفّر لنا تلك القيم الصالحة التي حصلنا عليها من الدين في كثير من الأحيان – سوى الإله بواسطة الدين ؟! بل إنه حتى النصوص والشرائع التي قد يفسّرها بعض الناس من الدين بتفسيرات تبدو غير أخلاقية فإن المتدينين ينفونها ويرفِضونها بدافع صريح ونصيّ من الدين نفسه ، والأمثلة كثيرة ، ولا ندري كمّ المؤامرات التي حيكت ولا تزال تُحاك لكل الأديان والتي تجعلها تبدو جاهليّة متخلّفة غير حضاريّة في أحداث كثيرة عبر التاريخ ، على حين أنها في تلك الأحداث لم تكن مطبّقة بشكلها وروحها الحقيقيّيْن ، فليت شعري كيف لنا أن نحكم عليها من خلالها ؟! والله أعلم .

7-      الفصل السابع : الكتاب ( الصالح ) وأخلاقيات روح العصر المتغيرة :
·         للقارئ أن يتساءل فورًا عن صحّة العبارة المصدّر بها الفصل : " السياسة قتلت الآلاف ، ولكن الدين قتل عشرات الآلاف " ؛ فماذا صنعت الشيوعية والاستعمار ؟! هل يحاول الكاتب أن يضلّل القارئ ؟ دعنا لا نكنْ متهجّمين ونترك السؤال مفتوحًا .
·         إنّ الاحتجاج بأفعال الله وشدتها الظاهرة فيها وعدم مفهوميتها أحيانًا على أنّها مصدر سيئ للأخلاق ليس دقيقًا ؛ فإن الدين لا يقول لنا : كونوا أنتم القائمين على حساب الناس / كونوا أنتم القائمين على الحكم على الناس / تصرّفوا كأنكم عالمون بما في صدور الناس أو كلجنة محاكمة لبقية الخلق باعتبارنا متدينين ، بل إنّ الدين الإبراهيمي أو الإسلامي – على الأقل – يدعو للنقيض من ذلك في آثار وأخبار متعددة وواضحة ومباشرة ، وفي القرآن موجَّهًا للنبي الخاتَم – صلى الله عليه وآله وسلم – : " ليس لكَ من الأمر شيء أو يتوبَ عليهم ... " ، وإذا علمنا أن الله تصرف بشكل ما مع أناس فهذا لا يدعونا للتصرف بالمثل أو ما يشابهه ، ثمّ إنّ تصرّف الله – سبحانه – لا يشترط أن يحمل وجهًا واحدًا قاطعًا ، خاصةً بعد انقطاع الوحي الذي كان لنا أن نستدلّ بها على حكمة الله من بعض أفعاله ، فمخطئ من اختزل فعلاً من أفعال الله لحكمةٍ واحدة بدون دليل قاطع ( مثل الزعم بأن كاترينا هو من ذنوب الناس أو عقاب لهم أو لوم الكوميدية ديجينيريس عليها ( " ولا تزر وازرةٌ وِزرَ أخرى " ) ) .
·         إنّ قصص العهد القديم – وكما أقرّ الكاتب – ليست مصدرًا للتعويل عليه في أصل الدين وما يدعو إليه ، وقد ساق الكاتب عبارات بنفسه تشير إلى هذا ، حيث إن الكتاب مكتوب من أناس كثير بعضهم قد لا يعرف بعضًا وفي فترات متباعدة ، وهو متناقض ومثير للشك والريبة في صحته ، والإنجيل لا يختلف عنه في هذا ، والكاتب حين يُخبِر أنه لا يمكن أن يكون أيّ من الاثنين مصدرًا للأخلاق فإنه ينبغي وضع هذه العبارة مع شقيقتها التي تقرّ بأنه غير موثوق المرجعية . وإنّ الآثار المثيرة للاشمئزاز والتي تُنسَب لأنبياء ليست موجودة في القرآن ولا يُلزَم بها المتدين بالحنيفية الإبراهيمية .
·         أطّر الكاتب بهواه مفهوم غيرة الله بإطار الغيرة بين الجنسين والأزواج ، بل وأطّر بذلك علاقة الرب بعباده كليًّا ، وهو في هذا مستهتر ساخر في المقام الأول ، وإنّ غيرة الله وتحريمه عبادة سواه إنّما وُصِفت بهذا الوصف ( الغيرة ) لأجل تقريب المعنى للناس من وجه – على افتراض أن كل من أشرك يعذّب ولو لم يبلّغ بالرسالة وتقمْ عليه الحجة – ، وإنّما المؤمنون يعتبرون تحريم عبادة غيره هو بسبب أنّ غيره غير مستحقّ ولا يعطينا شيئًا ولم يعطِنا شيئًا وليس في ذاته ما يستحق لأجله العبادة حقًّا ، وأنّ عبادة غيره تؤدي لمفاسد وأضرار مثل عبادة الشيطان أو الهوى ، ويعتبرون أنه قد يكون من المفاسد ما لا نعلمه ولا ندركه ببساطة إلا بعلم واسع وإلهام من الله – سبحانه – ( مثل النظرية القائلة بأن كل فعل منا هو مؤثّر في الكون ) ، وتوحيد الله فوق كل شيء هو في صالح الإنسان قبل أن يكون في أيّ شيء آخر ، والشرك ظلمٌ . والاعتراض على اهتمام الله بما يصنع هذا الكائن الصغير على الكوكب الصغير هو منبئ عن رغبة في الانفلات ليست لائقة برجل محترم لنفسه ، وإن كان الاعتراض على ما " يُصنَع في الفراش " فهو له مضارّ ظاهرة وباطنة أو على الأقل ليس له مبرّر .
·         أقرّ الكاتب بأن العصبية والتحيّز والدفاع عن المتعصّب له والغلوّ في هذا هو من طبيعة النفس الإنسانيّة ، وإذا كان الدين يأمر بالعدْل وعدم العدوان ، فإنّ من قام بالنقيض من ذلك متذرّعًا بالدين هو مناقضٌ لنفسه في تديّنه ودافعه لفعله اللاأخلاقي هذا . ( يدخل في هذا ما ذكره الكاتب من عدوانية بين الكاثوليكيين والأرثوذكس مثلاً ، وبين البوذيين والمسلمين ، وبين اليهود وغيرهم )
·         إنّ التحضر الذي يزعم الكاتب أنه حديث ومتأخر جدًّا ، هو أصيل في التشريع الإسلاميّ الذي يقضي بنصوصه على العنصرية العرقية تمامًا : " لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ، كلكم لآدم وآدم من تراب " ، " وجعلناكم شعوبًا وقبآئل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ، وليست العنصرية العرقية الوحيدة التي حوربت من قبل الإسلام ، بل قيم جاهلية أخرى كانت تعتبر عند مجتمعات غير الإسلامية عادية إلى وقت قريب مثل هضم حق النساء وحق الرقيق واستئصال الآخر المتبع لديانة أخرى أو قبيلة أخرى ، وهذا يجعل الدين الإسلامي منبعًا أصيلاً للقيم الحضارية ، بل وملهمًا أولاً لها ، إذ نزلت هذه القيم من أكثر من عشرة قرون وطُبّقتْ في أوضح الصور وأكثر صراحة منذ بداية الدعوة الإسلامية في المجتمع النبوي ، أفلا يكون الدين هنا مصدرًا فعليًّا للأخلاق سابقًا لأي اكتساب بشري ؟ ( علاوة على أن هذا الاكتساب ليس معروف المصدر ، ولم لا يكونُ المصدر هو الاستلهام من هذا الدين السماوي الخاتَم ؟ )
·         لا يُشترط أن يكون الإلحاد هو الدافع للحرب ؛ فهذا ساذج من باب الافتراض بدايةً ، ولكن ممكن جدًّا – وربما مدعوم بأدلة من الحروب في القرن العشرين – أن الإلحاد يفشل في كبح النزوات المادية العدوانية على عكس الدين ، خاصّةً إذا ترافق هذا مع نقض القيم المطلقة . وإقرار إلحادية ستالين يفتح هذا الباب على مصراعيه .

8-      الفصل الثامن : ما هي مشكلة الدين ؟ ما سبب كل هذه العدوانية ؟
·         إن الوصايا العشر التي تكلم عنها كارلين في الاقتباس تتضمّن قيمًا إنسانية عليا ، نقضها يدمّر الحياة الاجتماعية ، فهل نعترض أيضًا على اتباعها وعلى المعاقبة على تركها ؟! والله لا يحب المفسدين ، لا يحبهم ( على عكس ما يُظهِر حديث كارلين ) .
·         إنّ الادعاء بأن فكرة ضرر الدين لن تقود الملحدين ولا في أي يوم من الأيام إلى إقصاء المتدينين وربما حربهم هو ادعاء لا يصدقه أسلوب الملحدين في التعاطي مع المتدينين اليوم ، ولو كان الكاتب غير هجوميّ ( ربما لأن مجاله علمي بحت أو لسبب آخر ) فهذا لا ينفي أن يأتي غيره ويتصرف تصرفًا آخر تجاه الناس الآخرين لو وصل – مثلاً – إلى موضع سلطة ، بل إنّ هذا طبيعي التصوّر والتوقع . وكما أن الاهتمام بثبات الأرضية الدينية لدى المجتمع هو مهم للمتديّن فإن ثبات الأرضية الديمقراطية أو الاشتراكية هو مهم للديمقراطي أو الاشتراكي ، وكذلك العلموي أو العلماني ( ومنهم الملحدون ) ، وما يقود إليه إيمان المؤمن يقود الديمقراطي أو الاشتراكي أو العلماني إليه أيضًا ( عدا أن من أحكام الردة والحدود الأخرى ما يطبّق بشكل خاطئ سيلحقه البيان إن شاء الله أدناه ) .
·         إنّ كلّ ما يبنى على الإيمان بنظرية التطور مثل القول بأن الإيمان بها هو إيمان بالأدلّة وأن الوجود البشري هو مساوٍ للوجود الحيواني وأن المؤمنين بنظرية الخلق والمتدينين مثلهم هم ضرر على العلم – كل هذا معتمد على مصداقية النظرية في أساسها ، وهي تواجه دعاوى جدية تفيد بخرقها وعدم وجاهتها العلمية .
·         ينتقد الكاتب حكم الإعدام ، على حين أنه الجزاء المماثل بالضبط للصنيع المترتب عليه الإعدام ، مثل القتل العمد أو الإفساد في الأرض والحرابة ، ويبدو أنه يستنكره كنوع من القيم المطلقة غير المجدية ، والعجب الحقّ ممن يقدم على المزيد من الجرائم لأن الموت هو العقوبة ( متى أصبح الموت محبّبًا لمجرم مؤمن يعلم إجرامه ؟! ) .
·         إن مما ذكر الكاتب ما لا يتفق مع الثقافة الإسلامية ومن ذلك :
1-      الزنا والحدود المشابهة له تُتعقّب من قِبَل الحكومة ، وبالتالي لا يعاقب عليها إلا في حالات محددة ، كما أن الحد المشروع فيها والذي يزعم بعض الدعاة وجوده في القرآن هو الجلد للزناة المستقيمين والأذى والحبس للشاذين ، ولا يتضمن القتل ، والله أعلم بالصواب ، وفي القتل – على هذا – ردع قويّ في حالة ثبوت وجوبه ، وله دورٌ في ثبات الأرضية المجتمعيّة والصحية والتنموية كذلك ( لا سيما في حالة الشواذ والزناة الخائنين ، ويعتمد هذا على كون السلوك الشاذ اختيارًا أم لا أو ما إذا شمل الزنا أو الشذوذ اغتصابًا ) .
2-      الحدود المترتبة على الجنايات لا تُباشَر من قبل الرعية بل من قِبَل وليّ الأمر ، ولا يحقّ لأحد من الرعية مباشرتها ، ويُعاقَب إن فعل .
3-      الثقافة الإسلامية تجيب فعلاً عن سؤال : متى يصبح الجنين إنسانًا ؟ وهو عند نفخ الروح بعد المدة المحددة المذكور في الحديث المشهور ، وبهذا يصبح الإجهاض بعد تلك الفترة محرمًا في الثقافة الإسلامية إلا في حالة الضرورة ، وفي الحديث الآخر : " لا ضرر ولا ضرار " ، وفي الفقه الإسلامي أخف الضررين والضرورات تبيح المحظورات ومراعاة المصالح والمفاسد ، وهذا لم يذكر في ما ذكره الكاتب . ولا يخفى اللوثة الأخلاقية والأنانية وهضم لحق الجنين وراء طلب الإجهاض الناتج من استهتار جنسي أو ممارسة جنسية غير شرعيّة تجعله في هذه الحالة أمرًا بغيضًا لا أخلاقيًّا لا سيّما إذا كان الجنين في طور الحياة وحضور الروح .
4-      الشريعة الإسلامية تحرم قتل المدنيين وتتوعد على هذا : " من قتل معاهدًا أو مستأمنًا لم يرَح رائحة الجنة " وغير هذا الحديث ، وهذا تناقض صارخ مع فكرة الكاتب أن الدين بذاته دون أي تطرف فيه هو المشكلة ، بل الدين هنا يحلّ المشكلة ، والتضليل هو المذنب .

9-      الفصل التاسع : الطفولة : الانتهاك والهرب من الدين :
·         اختيار طريقة التعليم وطريقة العيش هي مما لا يسلم منه أي والد عاديّ مهما كان دينه أو توجهه ، والوالد الملحد سيعطي لولده على الدوام الإشارات الإلحادية ، والمسلم هكذا والمسيحيّ ؛ لأنّ كل والد يوجّه ولدَه لما يرى أنه صواب وفقًا لأدلة وقرائن معينة ، إلى أن يصبح الولد في مرحلة يكون فيها مميزًا يستطيع الحكم من خلال المعلومات المتوفرة في كل مكان وبأبسط الطرق ، ويختلف تحديد الدين من تحديد التخصص العلمي مثلاً أو الجامعة الملتحق بها ؛ فتحديد الدين هو ينبني عليه أمور تحدث مبكّرًا في عمر الإنسان ، منها الأخلاق وأسلوب العيش ، أما التخصص العلمي واختيار المعهد المناسب هي أمور وقتية لها ظروفها المرتبطة بها . ثمّ إن النظرية الداروينية التطورية التي يدعو الكاتب وأمثاله لتدريسها كالنظرية العلمية المعتبرة هي مثال على " اغتيال حرية " الأبناء هذا ؛ فالاعتراضات عليها وجيهة ومنهجيتها العلمية مشكوك فيها ، فلماذا يكون تحيزهم لتدريس التطور مختلفًا عن تحيز الآباء الكاثوليكيين لتدريس أبنائهم الثقافة الكاثوليكية ؟ وطبعًا لا يمكن أن يُقال أن اختطاف الأطفال من الآباء غير ذوي الديانة السائدة هو مبرّر ، على الأقل في الديانة الإسلامية ، ولا يعتبر الشخص مسلمًا إلا باعتقاده القلبي ، لا بنسب ولا بتعميد ولا بغيره ، ولا حتى بالختان ، و" لا إكراهَ في الدين " .
·         إن طريقة التخويف من جهنم المذكورة والتي تُطبَّق من قبل بعض المسيحيين بالتأكيد ليست هي الطريقة التي يعمل بها الدين بالكلية ، المسلمون على الأقلّ لا يذهبون إلى ذلك المدى المرعب ، صحيح أن المسلمين يروون الأحاديث ويخوّفون من جهنم ، ولكن ليس لذلك الحد الذي سبب الأمراض النفسية والكوابيس الليلية ، كما أنه من الملاحظ أن المربين يتحرجون من ذكر الأمور المخيفة جدًّا للأطفال ويؤجلون ذلك لحد البلوغ ؛ لأن الأثر النفسي الكبير على الطفل معلوم ( ذُكِر في الأعلى أن التخويف من جهنم ليس هو مصدر الالتزام بالشريعة ، بل حب الله واحترامه وتوقير مكانته – سبحانه – في أكثر الأحيان ) . هذا فضلاً على أنّ تحديد مصير أي شخص بعينه هو من المحرمات المغلظة في الثقافة الإسلامية ، وبشكل واضح ومتواتر ، على عكس ما يروي الكاتب في أمثلته في هذا الفصل .
·         من المثير للاهتمام ادعاء أن احترام المذاهب والأديان الأخرى هو منطلق غير وجيه ؛ لأنّ المدعي لهذا الادعاء يغفل عن أنّ من يقوم بأمور خارجة عن العقل عادةً بسبب تقاليد أو ديانة معينة هو ينظر من زاوية أخرى تمامًا ، هو شبه مغسول الدماغ غير الواعي بحقيقة ما يقوم به ، فينبغي أن يُعذَر كشخص ، ولكنّ فعلَه يجرّم بالتأكيد ، وما ينبغي هو أن يوجّه ويعلّم مغسول الدماغ ذلك .

10-  الفصل العاشر : الفجوة المهمة جدًّا :
·         ما دمنا غير واعين بأصل ظاهرة الصديق الخيالي عند الأطفال ، ومتى ما كانت ذات نتائج وتجارب غريبة تبدو خارجة من وعي الشخص نفسه وحدود إدراكه ، فلماذا لا تكون كائنات غير مادية لا يدركها سوى الأطفال في سنهم ذلك لسبب أو آخر ؟
·         إذا لم يستطع العلم برهنة الدين والإيمانيات ، ولكن ثبت صلاحُها في العموم ، ألا يجعلنا ذلك نتبعها على الرغم من نقص البرهان " القطعي " ؟ ( هناك براهين عقلية قويّة ، ولكنّ الأغلب الكاسح من الملاحدة ليس يتعامل معها ولا يعتبرها ! )
·         كونُ بعض المؤمنين ( هناك حالات مناقضة يمكن رصدُها في كثير من الوفيات ) لا يستبشر بالموت أو يخاف منه ولا يتعامل معه كعالم آخر يشمل حياة أيضًا ولكن في بعد آخر – إن صح التعبير – هو مثال على تعقيد القضايا الإيمانية ( والحياة الأخرى قضية أساسية في كل الأديان عمومًا ) ؛ لأنّ الحيّ سيستوحش بعد فقد القريب الميت أو الصديق أو الزوج الميت ؛ لأنه كان يعطيه الكثير في حياته ، ولكنه يعلم في الوقت نفسه في قرارة عقله أنه سيبقى حيًّا ، ويتصدق عنه ويصلي عليه ويدعو له طول الوقت ، وربما رآه في المنام وأخبره بأمور حقيقية حدثت فعلاً لم يكن ليعلم عنها شيئًا لولا رؤيته بعد موته ( جزء من الأمور الداعية للتفكّر فيما إذا كانت القضايا الإيمانية نتاج مثل ظواهر الصديق الخيالي أو تعزية النفس لا غير ) ، كما أنّه ليس كل المؤمنين يضمن دخول الجنة لنفسه ولا لأهله وأحبابه ، فهذا سبب آخر يظهر جليًّا جدًّا في كثير من الحالات ( على الأقل في مجتمعنا المسلم ) . كما أن عدم قبول بعض المؤمنين – أو عمومهم – للموت الرحيم قد يكون بسبب عدم وثوقهم في حتمية موت المريض عاجلاً أو آجلاً بسبب مرضه ، أو عدم احتمال نفسياتهم لهذا خوفًا من الشعور بتأنيب الضمير كنتاج من الشكّ بأنه ربما كان هناك طريق آخر ليعيش ( وهذا تابع للسبب السابق ) ، فضلاً عن أنه لو صدق أن هناك طريق أخرى للعيش فإنه سيعدّ ذلك قتلاً للمريض ، وأهل الأديان عمومًا لديهم تجريم خاصّ لهذا الأمر بشكل واضح وله مبرراته ، وليس لذلك علاقة بعدم إيمانهم حقيقةً ، ولكنه قد يلعب دورًا إذا زاد الحزن عن الحدّ الطبيعي وبدون مبررات واضحة نفسية ( من المعلوم بالضرورة أن الإيمان يزيد وينقص ، ولا يؤثر هذا على أحد سوى المؤمن نفسه لا الإيمان بحد ذاته ) .
·         " الدليل " الذي أورده الكاتب والذي يُفترَض أنه يثبت حياة البرزخ هو في الأجدر دليل موجه للمؤمنين فقط – إذا صح الاستدلال به في المنهج الأصلي – ؛ لأنه قائم على الإيمان بحد ذاته ، ولا يُعقَل أنه موجّه لغير المؤمنين ، فهل يكون الكاتب استشهد به استشهادًا خاطئًا ؟
·         لماذا يُعدّ الوجود سببًا للامتنان ؟! هل كنا مكبوتين في مملكة العدم ، هل كنا موجودين في العدم حتى نمتنّ لدخولنا مملكة الوجود ؟! وماذا يعني لي لو كان لي ذكر حسنٌ أو إرث طيب بعدما أموت إذا كنت أعود إلى العدم ؟ وهل الحياة جميلة جدًّا وخالية من كل تلك المنغصات التي نتمنى في أحيان عديدة – أو يتمنى كثير من الناس " تعيسي الحظ " – الموت فيها أو رحيلها بأي ثمن ؟ ألا يُفترَض أن يعطينا مفهوم الحياة الواحدة التي لن تتكرر رغبةً في تحقيق المتعة الذاتية – بالتجاور مع السلام النفسي والخلو من الإحساس بالذنب – إلى أقصاها ، بدلاً من العناء في بلوغ أهداف قد نبلغها وقد لا نبلغها ، وبدلاً من الخوض في صراعات عنيفة لم تفتأ توجد في تاريخ البشرية ، وبدلاً من المخاطرة في غير المضمون في العلم أو المجالات الأخرى ، لماذا لا يعمل الملاحدة على ذلك ، أو أن هؤلاء المشهورين منهم لو عملوا على ذلك فعلاً لكان وصمةَ عارٍ للإلحاد ، أم أنهم أخطأوا في تضييع أعمارهم في صراعات فارغة غير وجيهة – مناقضةً لمفهومهم – ؟
·         بخبثٍ جاهل أو متجاهل غير مسئول يصف الكاتب الحجاب بأنه سلطة ذكورية وقمع للحرية والجمال ( قمعه الله وأمثالهم وحريتهم وفضحهم وانتقم منهم بعزته وبأنه لا يحب الفساد – جل في علاه – أو هداهم وهدى بهم وأصلح ) مضللاً القارئ عن حقيقة الحجاب وما ينبغي أن يكون عليه ( اللهم استجب ) ، وذلك في موضع ليس هو أبدًا موضع الحديث عن الحجاب أو المرأة في الدين عمومًا أو الإسلام ، ولكنه عقله غير المسئول والطفولي الجاهل الذي يدفعني للحيرة كثيرًا في كتابه بسبب عدم موضوعيّته الصارخة المتناثرة في صفحات الكتاب .
·         يعود الكاتب ليؤكّد – بلا شعور أو تحكم – على تصميم الخليقة بعضها لبعض وعدم إمكانية تخيل أن شيئين يكونان ملائمين بعضهما لبعض تمامًا دون أي اتصال ( عدم إمكانية تخيل شيء كهذا ليست كعدم إمكانية تخيل مفاهيم ميكانيكا الكم ؛ لأن الكم مبنية على التجربة ، أما الأحياء فلا ) : " ... أخْذ صور لزهور تظهر مجالاً غريبًا من الخطوط والبقع التي هي مرئية من قبل وتبدو وكأنها " مصممة " لذلك ، لعيون الحشرات والتي لا تستطيع أعيننا المجردة رؤيتها أبدًا " .
·         كما أنّ الإنسان اليوم يندفع نحو العلم والطبيعة تبعًا لاندفاع أسلافه ، فإن الإيمان بالخالق المدبّر الأول هو الدافع الأول لهذه العملية ، روّاد العلم منذ الأزل مؤمنون مؤلّهون ، وإنّ الإيمان بالخالق وبالعليّة والسببيّة المترافق مع الإيمان هو محرّك كبير من محركات الإنسان ، على عكس ما قد يئول إليه سحر العلم لدى ملحدٍ لا يدفعُه واجب ديني ولا إلهيّ عميق ، يئول به إليه الاكتفاء واللامسئولية العلمية التي لا تعرف هدفًا سوى العلم نفسه للعلم وربما – في أحيان – تحقيق الشهرة والدخل الرفيع . ولا يخفى أن الشعور بسحر الطبيعة حتى لو كانت تتجلّى في موت أحدهم أو كارثة عارمة هو شعور لا معنى له ؛ لأنه ينبعث تجاه النافع الخلاق ، كما يندفع تجاه المدمّر الضارّ ، ويعود كلّ أمرٍ إلى نسبيّته الأصليّة ، وإلى اللاهدفية النهائية التي تنتهي إليها النسبيّة بالنسبة للملحد للماوراء ، أو ربما كان البديل لهذا السحر لدى آخرين نفعيّة محضة أنانيّة معلومٌ مآلها وحكمُها .



والله – سبحانه – أعلم ، وصلى الله على محمد وآله ومن تبعهم بإحسان – إلى يوم الدين .
انتهى التعليق على الكتاب بحمد الله ، والله المسئول التوفيق والقبول والبركة من لدنه ، هو العليم الخبير ذو الجلال والإكرام ، من عنده خزائن السماوات والأرض .


مكة - 7:46م - 26/5/35