المشاركات الشائعة

الأربعاء، 16 يوليو 2014

معجزة مسجد صنعاء النبوية

باسم الله

معجزة مسجد صنعاء

     كان المسلمون كاليهود والنصارى يتجهون في صلاتهم كقبلةٍ لهم إلى المسجد الأقصى ، واستمرّ هذا طويلاً منذ بداية الدعوة الإسلامية وحتّى الهجرة إلى المدينة بعدها بثلاثة عشرة سنة ، إلى أن جاء الأمر الإلهي بتحويل القبلة إلى مكة في المدينة ، بينما كان المسلمون يصلّون إحدى الفرائض في النهار خلف النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فصار المسجد الحرام هو القبلة : " فَوَلّ وجهكَ شَطرَ المسجدِ الحرام وحيثُما كُنتُمْ فولُّوا وجوهَكم شطره وإنّ الذي أوتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحقُّ من رَّبِّهِمْ " (البقرة-144) .

     صار المسلمون يتجهون في كل صلاة لهم إلى المسجد الحرام ، الذي كانوا يطوفون حوله أصلاً قبل ذلك ، ويحجون إليه ، وقد حجّ إليه كل الأنبياء تقريبًا ، ومكان الكعبة هو مكان معروف منذ أبينا آدم – عليه السلام – ، ثم جاء الخليل – عليه ونبينا وآلهما الصلاة والسلام – ليقيم البيت في مكانه المعروف ، وتعظيم هذا البيت استمرّ حتى قدوم نبينا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وإلى يومنا هذا .

     كان الإسلام في انتشار وقتها ، وكانت القبائل قبيلةً قبيلةً تقدم إلى المدينة معلنةً إسلامها من أنحاء شبه الجزيرة العربية ، فيرحّب بهم النبي ويستقبلهم بحفاوة ويبعث معهم النبي – صلى الله عليه وسلم – رجالاً يعلّمونهم الدين وشرائعه .

     من تلك الوفود التي قدمت مسلمةً أهلُ اليمن ، وقد بعث إليهم النبي – صلى الله عليه وسلم – ابن عمه وربيبه علي بن أبي طالب في همدان ومعاذ بن جبل إلى الجَنَد وإلى صنعاء أكثر من رسول ، منهم وَبْر بن يُحَنّس الخزاعي بعثه واليًا عليهم وأمره ببناء مسجد لهم بأوصاف دقيقة حددها له .

     هذه الأوصاف المحددة نجدها في معجم الطبرانيّ الأوسط عن وبْر بن يحنس يقول : " إذا بنيْت مسجد صنعاء فاجعله على يمين جبل يُقال له : ضِين " . وقال الحافظ الرازي في كتابه ( تاريخ صنعاء ) أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمر وبر بن يحنس حين أرسله إلى صنعاء واليًا عليها فقال : " ادعُهم إلى الإيمان ، فإن أطاعوا لك به فاشرعِ الصلاة ، فإن أطاعوا لك بها فمر ببناء المسجد لهم في بستان باذان من الصخرة التي في أصل غمدان واستقبلْ به الجبل الذي يُقال له ضِين " . وقال الرازي : " كتب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى وبْر ليبنيَ حائطَ باذان مسجدًا ، ويجعلَه من الصخرة إلى موضع جدره ، ويستقبلَ بقبلته ضينًا " .

     بهذه التعاليم الدقيقة تم بناء المسجد لأهل صنعاء ، وقد اعتمدوا على تعاليم رسول الله لتحديد قبلتهم ، ولا يزال المسجد اليوم قائمًا في مكانه في مؤخرة الجامع الكبير بصنعاء مميّزًا بالصخرة المسماة بالصخرة الململمة التي أشار إليها النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وكذلك مميزًا بعمود المسمورة الذي حافظ عليه اليمنيّون ليشير إلى حدود المسجد القديم مقابل عمود المنقورة .

      لم يكنْ من الممكن التأكّد بشكل دقيق من استقبال مسجد صنعاء للمسجد الحرام قبلة المسلمين ، لم يكن هناك GPS ولا حتى أقمار صناعيّة من الأصْل ، ولكنّ المثير أننا يمكننا الآن أن نلقي نظرة من خلال خرائط غوغل ، ونتحقّق من صحّة هذه الإرشادات الجغرافيّة القديمة في ضوء التقنية الحديثة متناهية الدقة .

      لحسن الحظّ من السهل تمييز مسجد صنعاء الكبير من الأقمار الصناعية ، ونجده مستقبِلاً بشكل دقيق لقمة جبل ضِين الذي حدده النبي – صلى الله عليه وسلم – لوبر الخزاعي ، حتّى أنّنا لو رسمْنا خطًّا مستقيمًا تمامًا منطلقًا من وسط المسجد في الاتجاه الذي يتجه إليه محرابُه ومددنا هذا الخطّ فإنه سيمرّ بقمة جبل ضِين وفي وسطها تمامًا ، والآن عليها محط تقوية تلفزيونية ومعسكر ، ولنا أن نمدّ هذا الخط أكثر وأكثر ، حتّى نصل إلى مكة ، ونندهش أنه لن يوصلنا إلى مكّة فحسب ، بل إلى مكان دقيق في المسجد الحرام ، إلى الكعبة ، لا بل إلى وسط الكعبة تمامًا ، إن هذا المسجد يستقبل القبلة في أحسن صورة يمكن أن يتجه فيها مسجد إلى القبلة ، مسجد صنعاء يتجه نحو وسط الكعبة تمامًا .

     لقد كان توجيه النبي – صلى الله عليه وسلم – كافيًا لتحديد القبلة لأهل صنعاء ، وكان التنفيذ الدقيق لهذا التوجيه قد أثمر أجمل ثمرة ، لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – رحّالةً بين البلدان ، ولم يكنْ يعلم شيئًا عن خطوط الطول والعرض وارتفاع اليابسة ... إلخ ، ولم يكن يستطيع أن يرى جبل ضين من المدينة فضلاً على أن يراه من مكة ، فهو ليس بجبل عظيم الارتفاع ، والمسافة بين مكة وصنعاء 815 كم ، أما المسافة بين صنعاء وجبل ضين فهي 30 كم .

     إنّ هذا التوجيه الشريف يتحدّث عن نفسه أنّه ليس محض قدرات البشر العلميّة ، إنّه من نور علام الغيوب وهدايته – سبحانه وتبارك وتعالى – ، الذي أرسل محمّدًا – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم – للعالمين ووهبَه من نوره ما لمْ يهبْه لغيره .

     " وما ينطِقُ عَنِ الهوى * إنْ هُوَ إلا وحْيٌ يُوحَى " (النجم-3 و4) .


-          الصور والمادّة موجودة في : http://www.youtube.com/watch?v=H99ycqm9q_I .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق