باسم
الله
معجزة
مسجد صنعاء
كان المسلمون كاليهود والنصارى يتجهون في
صلاتهم كقبلةٍ لهم إلى المسجد الأقصى ، واستمرّ هذا طويلاً منذ بداية الدعوة
الإسلامية وحتّى الهجرة إلى المدينة بعدها بثلاثة عشرة سنة ، إلى أن جاء الأمر
الإلهي بتحويل القبلة إلى مكة في المدينة ، بينما كان المسلمون يصلّون إحدى
الفرائض في النهار خلف النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فصار المسجد الحرام هو
القبلة : " فَوَلّ وجهكَ شَطرَ المسجدِ الحرام وحيثُما كُنتُمْ فولُّوا
وجوهَكم شطره وإنّ الذي أوتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحقُّ من رَّبِّهِمْ "
(البقرة-144) .
صار المسلمون يتجهون في كل صلاة لهم إلى
المسجد الحرام ، الذي كانوا يطوفون حوله أصلاً قبل ذلك ، ويحجون إليه ، وقد حجّ
إليه كل الأنبياء تقريبًا ، ومكان الكعبة هو مكان معروف منذ أبينا آدم – عليه
السلام – ، ثم جاء الخليل – عليه ونبينا وآلهما الصلاة والسلام – ليقيم البيت في
مكانه المعروف ، وتعظيم هذا البيت استمرّ حتى قدوم نبينا محمد – صلى الله عليه
وآله وسلم – وإلى يومنا هذا .
كان الإسلام في انتشار وقتها ، وكانت
القبائل قبيلةً قبيلةً تقدم إلى المدينة معلنةً إسلامها من أنحاء شبه الجزيرة
العربية ، فيرحّب بهم النبي ويستقبلهم بحفاوة ويبعث معهم النبي – صلى الله عليه
وسلم – رجالاً يعلّمونهم الدين وشرائعه .
من تلك الوفود التي قدمت مسلمةً أهلُ اليمن
، وقد بعث إليهم النبي – صلى الله عليه وسلم – ابن عمه وربيبه علي بن أبي طالب في
همدان ومعاذ بن جبل إلى الجَنَد وإلى صنعاء أكثر من رسول ، منهم وَبْر بن يُحَنّس
الخزاعي بعثه واليًا عليهم وأمره ببناء مسجد لهم بأوصاف دقيقة حددها له .
هذه الأوصاف المحددة نجدها في معجم
الطبرانيّ الأوسط عن وبْر بن يحنس يقول : " إذا بنيْت مسجد صنعاء فاجعله على
يمين جبل يُقال له : ضِين " . وقال الحافظ الرازي في كتابه ( تاريخ صنعاء )
أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمر وبر بن يحنس حين أرسله إلى صنعاء واليًا
عليها فقال : " ادعُهم إلى الإيمان ، فإن أطاعوا لك به فاشرعِ الصلاة ، فإن
أطاعوا لك بها فمر ببناء المسجد لهم في بستان باذان من الصخرة التي في أصل غمدان
واستقبلْ به الجبل الذي يُقال له ضِين " . وقال الرازي : " كتب رسول
الله – صلى الله عليه وسلم – إلى وبْر ليبنيَ حائطَ باذان مسجدًا ، ويجعلَه من
الصخرة إلى موضع جدره ، ويستقبلَ بقبلته ضينًا " .
بهذه التعاليم الدقيقة تم بناء المسجد لأهل
صنعاء ، وقد اعتمدوا على تعاليم رسول الله لتحديد قبلتهم ، ولا يزال المسجد اليوم
قائمًا في مكانه في مؤخرة الجامع الكبير بصنعاء مميّزًا بالصخرة المسماة بالصخرة
الململمة التي أشار إليها النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وكذلك مميزًا بعمود
المسمورة الذي حافظ عليه اليمنيّون ليشير إلى حدود المسجد القديم مقابل عمود
المنقورة .
لم يكنْ من الممكن التأكّد بشكل دقيق من
استقبال مسجد صنعاء للمسجد الحرام قبلة المسلمين ، لم يكن هناك GPS ولا حتى أقمار صناعيّة من الأصْل ، ولكنّ
المثير أننا يمكننا الآن أن نلقي نظرة من خلال خرائط غوغل ، ونتحقّق من صحّة هذه
الإرشادات الجغرافيّة القديمة في ضوء التقنية الحديثة متناهية الدقة .
لحسن الحظّ من السهل تمييز مسجد صنعاء الكبير من
الأقمار الصناعية ، ونجده مستقبِلاً بشكل دقيق لقمة جبل ضِين الذي حدده النبي –
صلى الله عليه وسلم – لوبر الخزاعي ، حتّى أنّنا لو رسمْنا خطًّا مستقيمًا تمامًا
منطلقًا من وسط المسجد في الاتجاه الذي يتجه إليه محرابُه ومددنا هذا الخطّ فإنه
سيمرّ بقمة جبل ضِين وفي وسطها تمامًا ، والآن عليها محط تقوية تلفزيونية ومعسكر ،
ولنا أن نمدّ هذا الخط أكثر وأكثر ، حتّى نصل إلى مكة ، ونندهش أنه لن يوصلنا إلى
مكّة فحسب ، بل إلى مكان دقيق في المسجد الحرام ، إلى الكعبة ، لا بل إلى وسط
الكعبة تمامًا ، إن هذا المسجد يستقبل القبلة في أحسن صورة يمكن أن يتجه فيها مسجد
إلى القبلة ، مسجد صنعاء يتجه نحو وسط الكعبة تمامًا .
لقد كان توجيه النبي – صلى الله عليه وسلم –
كافيًا لتحديد القبلة لأهل صنعاء ، وكان التنفيذ الدقيق لهذا التوجيه قد أثمر أجمل
ثمرة ، لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – رحّالةً بين البلدان ، ولم يكنْ يعلم
شيئًا عن خطوط الطول والعرض وارتفاع اليابسة ... إلخ ، ولم يكن يستطيع أن يرى جبل
ضين من المدينة فضلاً على أن يراه من مكة ، فهو ليس بجبل عظيم الارتفاع ، والمسافة
بين مكة وصنعاء 815 كم ، أما المسافة بين صنعاء وجبل ضين فهي 30 كم .
إنّ هذا التوجيه الشريف يتحدّث عن نفسه أنّه
ليس محض قدرات البشر العلميّة ، إنّه من نور علام الغيوب وهدايته – سبحانه وتبارك
وتعالى – ، الذي أرسل محمّدًا – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم – للعالمين ووهبَه
من نوره ما لمْ يهبْه لغيره .
" وما ينطِقُ عَنِ الهوى * إنْ هُوَ
إلا وحْيٌ يُوحَى " (النجم-3 و4) .
-
الصور
والمادّة موجودة في : http://www.youtube.com/watch?v=H99ycqm9q_I .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق