تعلم بشكل طبيعي ..
القارئـ/ـة الكريمـ/ـة ، هناك احتمال كبير أن الكلام أدناه من
البدهيات لديك ، ولكن إذا أردت – فليكن حصة ترتيب واسترجاع لمبادئ ليست أطول من
جلسة تسرح فيها خالي البال تتفكر في اللاشيء ..
نتناول في هذا الجزء موضوع الاختبارات ! وحينما تُذكر الاختبارات
يُذكَر الضغط الناتج من كمية المحتوى المطلوب ، وضيق الوقت ، وعدم فهم المحتوى –
والذي ينتج مما سبق في كثير من الأحيان إذا تجاهلنا عدم توفر المصدر المناسب – .
وإذا أمسكنا بقضية الكمية المتزايدة التي يشملها الامتحان وحاولنا
إيجاد حلّ لها ، فإننا ربما نستطيع ذلك إذا نظرنا في حياتنا اليومية ..
ترى : كم من المعلومات يخزنها مخك الآن ؟ كم من الأسماء ، والحقائق ،
والمهارات ، والأرقام ... عن نفسك وعن الآخرين وعن الأمتعة المختلفة ... ؟ هل تذكر
كيف حفظت هاتف المنزل أول مرة ؟ وجزء عم من القرآن ، وأسماء أقاربك ، ثم أكثر
بكثير من الأشياء مع التقدم في العمر ...
على الأغلب أنها أكبر من كمية المنهج المقرر في الاختبار !
ما السر في ثقل تخزين معلومات المنهج مقارنةً بخفة بقية المعلومات
التي نخزنها بأمخاخنا ؟
جزء كبير من السر يتمثل في
أننا نحاول
إدخال معلومات المنهج في وقت قصير جدًّا وبشكل لا يمس الواقع ،
على حين
أننا في حياتنا نتعلم الأشياء من خلال ربطها بغيرها
وإعطائها الزمن الكافي لتترسخ
في الذهن ،
وتكون النتيجة في التعلم الطبيعي أننا لا نبذل أدنى مجهود في استرجاع
تلك المعلومات الحياتية على عكس ما يحدث أحيانًا في دراستنا .
أما إعطاء الزمن الكافي للمعلومة
فهو يتحقق بالنصيحة الكلاسيكية : "استذكار الدروس أولاً
بأول" . أحيانًا تكون هذه الطريقة مريحة جدًّا في بعض السنوات أو المواد ،
وأحيانًا تحتاج إلى مجهود إضافي ويصعب فعلاً المحافظة عليها ، ولكن تظل نتائجها
ملموسة ما دامت الاستمرارية موجودة ولو كان هناك تأخر لا مفرّ منه ، وبالذات إذا
تم استخدام الإستراتيجيات الأخرى .
ميزة إضافية لهذه الطريقة كونها تقلل لحدٍّ ما الكمية المتناولة في
المرة الواحدة ؛ فكلما زادت الكمية في المرة الواحدة زادت صعوبة تذكرها بشكل
جيد وصارت المعلومات في منتصف الموضوع منسية .
لو كان بالإمكان تقسيم الموضوع الواحد أكثر لأجزاء صغيرة تدرسها على
حدة فهي أفضل طريقة ~
أما ربط المعلومات
فلا أقصد به صناعة جمل تجمع المعلومات أو وضعها في جداول أو كتابة قصة
تحتويها فحسب ؛ فهناك طرق كثيرة للربط ، وأسهل وأول هذه الطرق هو الفهم . كيف
نفهم المواضيع الصعبة ؟! الطرق لا تنتهي من سؤال خبير أو زميل ، أو بحث على
الإنترنت ، أو من مصدر أكبر ، ...
كل الأشياء التي نتعلمها مترابطة في حقيقتها بعضها ببعض بشكل أو بآخر
، لا سيّما جسم الإنسان ، وإذا فهمت آليّة حدوث مرض معيّن أو سبب تسميته أو سبب
فحص المريض بفحص خاص أو عدم إعطائه بعض الأدوية – فستجد أنّك ربطت بين المعلومة
الأساسية ومعلومات سابقة أو لاحقة بشكل يرضي دماغك ؛ لأنها أفضل طريقة طبيعية يتعلم
بها ~
وربط المعلومات يكاد يكون الطريقة التي يعمل بها المخ في كل مناشط
الحياة ، لذلك هناك أدوات أخرى للربط نقوم بها بشكل لا إرادي ، مثل ربط المعلومة
بتجربة شخصية أو قصة بعض الأقارب أو شرح أحد الدكاترة أو مقطع مرئي أو محادثة بين المجموعة
... كلما كان تناول المعلومات بطرق متنوعة كلما كانت المعلومة أكثر انغراسًا في
الدماغ ، بعبارة أخرى : سهل استرجاعها .
هناك عامل إضافي للوقت والربط يكاد لا ينفصل عنهما ، وهو
التكرار
فالتكرار ينبّه المخ بأهمية المعلومة . ولكن لا أقصد التكرار
اللفظي بأن تردّد تعريف مرض السكري أو تعدّد الأحماض الأمينية الضرورية خمس
مرات في وقت واحد ، ولكن تكرار المعلومة بشكل دوري وبشكل مختلف كل مرة قدر
الإمكان .
تكرار المعلومة في يوم واحد مثل عدم تكرارها من الأصل . أما تكرارها –
مثلاً – مرة نهاية الأسبوع ، ثم مرة قبل الاختبار بأيام ، ثم مرة ليلة أو صبيحة
الاختبار – فهذا تكرار مفيد .
وفي كثير من الأحيان يمكن تكرار المعلومة أكثر من ذلك بكل سهولة : مرة
في المحاضرة ، مرة في حصة عملية ، مرة في البيت ، مرة أو أكثر مع الزملاء ، مرة مع
مريض فعلي – إذا كنت في
المستشفى – ، مرة في مقطع
مرئي أو صورة ، مرة في صفحة على الإنترنت ، ...
في رأيك : معلومة سمعتها/قرأتها مرة واحدة في حياتك ، ولم تتكرر عليك
بأي طريقة ، ما علاقتها بالحياة الواقعية ؟! المخ يعتبر هذه المعلومة غير مفيدة
ولا تستحق التذكر .
أما التكرار بطرق مختلفة فمثلاً بدلاً من البدء من الأصل للفرع
– ابدأ من الفرع للأصل ، وبدلاً من البدء من السبب للنتيجة – ابدأ من النتيجة
للسبب . مثال على هذا هو دراسة الأمراض بناءً على أسبابها مرة ، ومرة أخرى بناءً
على أعراضها ، وربما مرة ثالثة بناءً على علاجها أو مضاعفاتها . وفي دراسة
البكتيريا يمكن دراستها مرة بناءً على gram stain ، ومرة على
حاجتها للأوكسجين aerobic/anaerobic ، ومرة على
مكان إصابتها ، ومرة كل بكتيريا
على حدة ...
وهذه الطريقة قد تكون ضرورية جدًّا لاجتياز كثير من الاختبارات وليست
مجرد طريقة ممتعة .
والتكرار يؤدي غرضه إذا كان على هيئة اختبار (تسميع/حل أسئلة/شرح
للآخرين/...) .
التكرار والربط وإعطاء الوقت الكافي تحدث كلها في وقت واحد في كثير من
الأحيان ؛ فكلما تكررت المعلومة في أكثر من مناسبة وبأكثر من طريقة وفي أوقات
متباعدة تكونت لها روابط جديدة وصارت كجزء من ذاكرة طويلة المدى وبالتالي صار
استرجاعها أسهل .
س : هل كل معلومة ينبغي أن أمارس فيها هذه الأساليب بهذه الكمية ؟
العلم والتجربة يقولان أن كل المعلومات ينبغي التأكيد عليها ،
فبالتالي كل ما تريد تعلمه ينبغي أن يربط أو يتكرر ، ولكن كلما زادت أهمية + صعوبة
المعلومة ينبغي زيادة عدد الأساليب المستخدمة في تعلمها .
~
المخ غير مصمم حتى يعمل بكفاءة في أجواء الضغط والتوتر ، وهو يعمل
بأعلى كفاءة في حالته الطبيعية ، فينبغي أن نتعلم في جو طبيعي .
توزيع الوقت ، الفهم ، ربط المعلومات ، التكرار – عمليات نقوم بها كل
يوم نستطيع استغلالها بكل سهولة في دراستنا ووظائفنا ، إذا صحبها إحساس بالمسئولية
وتركيز في المسار الدراسي ~
مقال منشور لمفكرة "إثراء" من جامعة الملك عبد العزيز - 24/7/38