المشاركات الشائعة

الجمعة، 3 نوفمبر 2017

تمرُّن

تمرُّن

م ر ن – مرن الشيء : أي لانَ في صلابة . شخص ذو مرونة أي يستطيع أن يعدّل سلوكه لمواجهة التغيرات في البيئة المحيطة به .[1]

لا تحسبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُهُ ~ لن تبلُغَ المجدَ حتى تلعقَ الصبرَا

ماذا يعني؟ البيت الإكليشة هذا؟

قد وصلت الآن عقدك الثالث من العمر ، وقد مضى أغلب ما مضى منه في دَعة وسَعة ، قلّما اضطررتَ للتخلي عن عاداتك اليوميّة – إذا كان لديك عادات – ، أو إمضاء أيّام كاملةٍ في غير همّك واهتمامك . لم تضطر لتغيّر عالمك الصغير يومًا . مع ذلك ، كانت هناك بعض المناسبات في المدرسة وخارجها ، شعرت فيها ببعض الإكراه : درست ما لا تهوى ، قلقت على علاماتك ، تأففت من كثرة المطلوب منك ، ... لكنّ كل هذا لم يكن دافعًا كافيًّا لـ"تتحوّل" لشخص آخر ، يصبر على ما يكره صبرًا جميلاً ويجاري ما يجب عليه فعله لغرض أو آخر .

هل أنت مستعدّ للتخلي عن ذلك؟ نعم . كيف أعرف؟ دعنا نجيب سؤالاً أوْلى قبل هذا :

هل يجب عليك حقًّا التخلي عن ذلك؟ عن مساحة راحتك الشخصية؟

الجواب ليس واحدًا ؛ قد تكون مساحة راحتك هي عامل نجاحك ، إذا نجحت في جعلها فعّالة ومنتجة ، أو كانت هوايتك هي مجال طموحك ! أو كنت تنمّي في مساحة راحتك مهارات تفيدك في ذلك .

لكن ماذا عن بعض المجالات الأخرى ، مجالات لا يمكن جعلها جزءًا من الحياة اليومية ببساطة ؛ لأنها معقدة نوعًا ما أو أكبر من الاحتياجات اليومية؟ التميز في هذه المجالات لن يأتي بنفس البساطة . هنا يكون الجواب : نعم ، تحتاج أن تترك راحتك جانبًا لبعض الوقت .

سمعت أن سكان العالم تجاوز عددهم 7 مليارات؟ هذا صحيح ، وزيادة تعداد سكان بلادك ليست بالشيء القليل كذلك ، وزيادة العدد تعني زيادة التنافس ، ورفع عتبة التميز لأعلى مما كانت من قبل . تحتاج لمزيد من الجهد والتركيز لتتميز ، وهذا يعني بعض التضحيات .

هل هذا تعجيزي؟ لا ؛ تركيز طاقتك ونيتك – بصدق – نحو المجال الذي يشغل اهتمامك يجعل التميز قريبًا جدًّا ، نحن نتحدث عن تميز بشري لا تميز يفوق قدرات بني آدم (وإن كان البعض تميّز حتى ظهروا كأنهم من غير جنس البشر ، ولكنّما هي قوّة التركيز والإخلاص) .

وأنتَ حينما تسعى للتميز وتنافس الآخرين ، لا تسعى لذلك من أجل مجدك أو رفعة اسمك ، بل من أجل المجتمع ومصلحة العباد .

نعود للسؤال : كيف أعرف أن بإمكانك التكيف؟

ببساطة ، لم يصبْ أحدهم بسكتة دماغية لأنه غيّر مفاهيمه ، ولم تلازم نوبات التشنج العضلي أي شخص غير أسلوب حياته من أجل طموحه الشريف والتميز ، ولم يُقبَر من أجل أنّه قرر التكيف بشكل أفضل (إلا في حالات نادرة!) .

لو تمعّنت في الصعوبات التي ضجّرتْك في سبيل طموحك ومسيرتك ، ستجد أنه ليس أي منها تعجيزيًّا أو مستحيلاً ، وإنّما كان الحائل دون تقبّلها والعمل لتحصيلها هو شعور في نفسك بالاستهجان وعدم التقبل ، مجرّد شعور هو المسئول عن تقاعسنا في كثير من الأحيان . ولربما كان دواء هذا الشعور وجواز سفره بلا عودة هو تجاهله والاستعانة بقوة النية وإخلاص الهدف .

لكن ربما كان التغيّر عزيزًا على نفسك .. وهذا شائع ، وقد يكون هو السبب وراء التردد عن التغيير .

"هل ما أسعى وراءه يستحق كل هذا؟"

في الحقيقة ، هذا هو السؤال الجوهري .

في كثير من الأحيان يكون ما تسعى وراءه يستحق كل جهدك ؛ فالأمة والمجتمع بحاجة للمتميّزين في كل مجال ، ولو لم يكنْ ذلك المجال هو ما كنت تطمح به أيام الصبا فليس ذلك مانعًا من أن تكون أنت من يسدّ الثغرة بأتمّ الوجه وتفي حاجة المجتمع فيه .

في أحيان أخرى قد تكون نسيت ما تسعى وراءه ، أو فقدت المعنى فيه ، في هذه الحال يكون العلاج وِقفة تفكّر وتأمّل .

تفكّر فيما تُحسن ، تأمّل فيما يروي ظمأك من الحياة ، استظهِر أعمق قيَمك ... واستحضر ذلك فيما بين يديك من سبل ومجالات .

لن يكون المستقبل أكثر إشراقًا أو أيسر سلوكًا من ذلك .

فاجعله صوْب عينيك .. وتمرّن .



[1] معجم المعاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق