تمرُّن
م ر ن – مرن الشيء : أي لانَ في صلابة . شخص ذو مرونة أي يستطيع أن يعدّل
سلوكه لمواجهة التغيرات في البيئة المحيطة به .[1]
لا تحسبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُهُ ~ لن تبلُغَ
المجدَ حتى تلعقَ الصبرَا
ماذا يعني؟ البيت الإكليشة هذا؟
قد وصلت الآن عقدك الثالث من العمر ، وقد مضى أغلب ما مضى منه في دَعة
وسَعة ، قلّما اضطررتَ للتخلي عن عاداتك اليوميّة – إذا كان لديك عادات – ، أو
إمضاء أيّام كاملةٍ في غير همّك واهتمامك . لم تضطر لتغيّر عالمك الصغير يومًا .
مع ذلك ، كانت هناك بعض المناسبات في المدرسة وخارجها ، شعرت فيها ببعض الإكراه :
درست ما لا تهوى ، قلقت على علاماتك ، تأففت من كثرة المطلوب منك ، ... لكنّ كل
هذا لم يكن دافعًا كافيًّا لـ"تتحوّل" لشخص آخر ، يصبر على ما يكره
صبرًا جميلاً ويجاري ما يجب عليه فعله لغرض أو آخر .
هل أنت مستعدّ للتخلي عن ذلك؟ نعم . كيف أعرف؟ دعنا نجيب سؤالاً أوْلى قبل هذا :
هل يجب عليك حقًّا التخلي عن ذلك؟ عن مساحة راحتك الشخصية؟
الجواب ليس واحدًا ؛ قد تكون مساحة راحتك هي عامل نجاحك ، إذا نجحت في
جعلها فعّالة ومنتجة ، أو كانت هوايتك هي مجال طموحك ! أو كنت تنمّي في مساحة
راحتك مهارات تفيدك في ذلك .
لكن ماذا عن بعض المجالات الأخرى ، مجالات لا يمكن جعلها جزءًا من الحياة
اليومية ببساطة ؛ لأنها معقدة نوعًا ما أو أكبر من الاحتياجات اليومية؟ التميز في
هذه المجالات لن يأتي بنفس البساطة . هنا يكون الجواب : نعم ، تحتاج أن تترك راحتك
جانبًا لبعض الوقت .
سمعت أن سكان العالم تجاوز عددهم 7 مليارات؟ هذا صحيح ، وزيادة تعداد سكان
بلادك ليست بالشيء القليل كذلك ، وزيادة العدد تعني زيادة التنافس ، ورفع عتبة
التميز لأعلى مما كانت من قبل . تحتاج لمزيد من الجهد والتركيز لتتميز ، وهذا
يعني بعض التضحيات .
هل هذا تعجيزي؟ لا ؛ تركيز طاقتك ونيتك – بصدق – نحو المجال الذي يشغل
اهتمامك يجعل التميز قريبًا جدًّا ، نحن نتحدث عن تميز بشري لا تميز يفوق
قدرات بني آدم (وإن كان البعض تميّز حتى ظهروا كأنهم من غير جنس البشر ،
ولكنّما هي قوّة التركيز والإخلاص) .
وأنتَ حينما تسعى للتميز وتنافس الآخرين ، لا تسعى لذلك من أجل مجدك أو
رفعة اسمك ، بل من أجل المجتمع ومصلحة العباد .
نعود للسؤال : كيف أعرف أن بإمكانك التكيف؟
ببساطة ، لم يصبْ أحدهم بسكتة دماغية لأنه غيّر مفاهيمه ، ولم تلازم نوبات
التشنج العضلي أي شخص غير أسلوب حياته من أجل طموحه الشريف والتميز ، ولم يُقبَر
من أجل أنّه قرر التكيف بشكل أفضل (إلا في حالات نادرة!) .
لو تمعّنت في الصعوبات التي ضجّرتْك في سبيل طموحك ومسيرتك ، ستجد أنه ليس
أي منها تعجيزيًّا أو مستحيلاً ، وإنّما كان الحائل دون تقبّلها والعمل لتحصيلها
هو شعور في نفسك بالاستهجان وعدم التقبل ، مجرّد شعور هو المسئول عن تقاعسنا في
كثير من الأحيان . ولربما كان دواء هذا الشعور وجواز سفره بلا عودة هو تجاهله
والاستعانة بقوة النية وإخلاص الهدف .
لكن ربما كان التغيّر عزيزًا على نفسك .. وهذا شائع ، وقد يكون هو السبب
وراء التردد عن التغيير .
"هل ما أسعى وراءه يستحق كل هذا؟"
في الحقيقة ، هذا هو السؤال الجوهري .
في كثير من الأحيان يكون ما تسعى وراءه يستحق كل جهدك ؛ فالأمة والمجتمع
بحاجة للمتميّزين في كل مجال ، ولو لم يكنْ ذلك المجال هو ما كنت تطمح به أيام
الصبا فليس ذلك مانعًا من أن تكون أنت من يسدّ الثغرة بأتمّ الوجه وتفي حاجة
المجتمع فيه .
في أحيان أخرى قد تكون نسيت ما تسعى وراءه ، أو فقدت المعنى فيه ، في هذه
الحال يكون العلاج وِقفة تفكّر وتأمّل .
تفكّر فيما تُحسن ، تأمّل فيما يروي ظمأك من الحياة ، استظهِر أعمق قيَمك
... واستحضر ذلك فيما بين يديك من سبل ومجالات .
لن يكون المستقبل أكثر إشراقًا أو أيسر سلوكًا من ذلك .
فاجعله صوْب عينيك .. وتمرّن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق