المشاركات الشائعة

الخميس، 17 يوليو 2014

مفاهيم يدلُّنا عليْها القرآنُ ( محدّث في الأسفل بإذن الله )

باسم الله

مفاهيم يدلُّنا عليْها القرآنُ

·         هذا القرآن إنّما يهتدي بهِ من كانت بذرة الإيمان والخير والانصياع لذلك وقت ظهوره مسقيّة بأعمال صالحة حتى قبل معرفةِ الرسالة والسماع بها واتباعها ، ومن كانت فيه جوامع الدين والإيمان من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان بالغيب بصدق الرسالات وباليوم الآخِر .

·         صنفٌ لا ينفعُهم القرآن ولا الدعوة ولا البيان والحجة على الحقيقة ، بل إن ذلك قد يزيده في ضلاله وضياعه وطغيانه ؛ لعلةٍ في نفوسهم ، ولمناقضتهم للصنف السابق المذكور فبذرة الإيمان فيهم عطشى ، وقد يكون عقابًا لهم على كفرٍ سابق أو أنَفة واستكبار أو ما اللهُ به أعلمُ ، فهم في نفوسهم حجاب عن اتباع الحق ( قد يكون هذا الصنف متمثلاً في الملحدين في المقام الأول بالإضافة لبعض أصحاب الملل الأخرى ) .

·         الداعية إلى الرسالة غير مكلّف بهذا الصنف الأخير ، وقد يطلُب معجزاتٍ وخوارق وأدلة محسوسة كرؤية الرب أو قدرات خارقة للرسول أو نزول ملائكة ، ولا يُقابَل هذا بأي مجاراة أو استجابة ، إنّما هذه الرسالة هي بشارة ونذارة للنفوس التي لها أن تؤمن وتعرف الحق وقت ظهوره ، وهذه الرسالة تُعرَض كما أنزلها الله بلا زيادة ولا نقص ولا مجاراة ، وبذرةُ الإيمان في كل نفسٍ مبذورة ، ومن يردِ الله أن يهديَه فإنه يفتَح له بابًا للإيمان ما كان لأحدٍ ولا شيء أن يفتحَه إلا هدايةُ الله .

·         غير صوابٍ أن يُفاخِر المرء بمن سبقه على الطريق المستقيم لمجرّد أنه يسير على نفس الطريق ، وهؤلاء السابقون لا ينفعونه بشيء إلا في الاقتداء بهم والسلوك إلى الله بطريقتهم ، بل إنّ كل نفسٍ مكلّفة بنفسها وإن كانت من المؤمنين المتبعين للأنبياء والمرسلين المحبين لهم .

·         إنّ زيادة العلم والمعرفة بالله وبحجته وسلطانه لا تكون شرفًا وخيرًا لصاحبها إلا إذا صحبتها خشية وطاعة واتّباع ، وإلا كانتْ سببًا في الطبع على القلب والعقاب الأليم والسخط بشكل أشدَّ من العاصين غير العارفين والعالمين .

·         عداوة أهل الكتاب المتأكّدة على الدوام وتربصهم بأهل هذه الملة ووجوب الحذر منهم .

·         إنّ المؤمنين ليس عليهم الشقاء في الخوف من مكر الأعداء وسوء نواياهم وتربصهم والانشغال بذلك ، بلْ إنّهم يتركونهم لله يقضي فيهم إلا إذا كانوا مأمورين من قِبَل الله باتخاذ تصرّف كقتال أو عدم موالاة أو غيره .

·         الرافضون للحجج والبراهين الداعية للرسالة والراسخون في الكفر يتبعون الصنف المذكورين في النقطة السابقة فلا يكلّف المؤمنون بهم .

-

·         التسليم لأمر الله وفريضتِه سببٌ في ألاّ يكونَ للغيْرِ حُجّةٌ على المؤمن ، وربما يتجلّى هذا فيمن قد يعيّر بعض المؤمنين بتذبذبه عند الفرائض التي يكون فيها شدّة أو مشقّة ماديًّا أو معنويًّا ، وقد يكون لهذا أمثلة أخرى وأبعاد غير ذلك .

·         المصائب سوف تحصل للمؤمنين بكلّ تأكيد ، وما عليهمْ هو مواجهتُها بالتسليم والإنابَة والاعتصام بالله والسكون إليه وإحسان الظنّ به في العوَض في الدنيا أو الآخرة . ودلالة الله – سبحانه – المؤمنين على هذا هو رحمةٌ منهم لتثبيتهم وطمأنتِهم أنّ هذا لا يعني قلةً في الدين أو خللاً فيه ، وإنّما جريانٌ طبيعيّ للأحداث لكل الناس ، لا سيما الذين هم على الصراط المستقيم .

·         إن البرّ – وهو من أعلى مراتب العبادة – لا يُبلَغ إلا بالامتثال للدين كنِظام حياةٍ كاملٍ يدفعُ صاحبه لبذل الخير ووفاء العهد ومعاونةِ المجاهِدين والمحتاجين ، وقد ذكر القرآن أنّ هؤلاء جمعوا بين الصدق والتقوى ، وكفى بهما خيرًا عظيمًا يدلُّ عليه سائر كتاب الله من فضلِ هاتين الخصلتَين .

·         إنّ من آدابِ الدعاء نيّة تلبية دعوة الله بدعائه : " فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي " ، واليقين بسماع الله وإجابته : " وَلْيُؤْمِنُواْ بِي " . وإنّ ثمرة ذلك هي الرّشادُ والاستقامةُ : " لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " ، وإنّ الرشاد هو من أهمّ ما يحتاجُه أيّ إنسان حتى يمضيَ حياتَه في الطريق الصحيح مهما واجه من عوارضَ وصوارف .

·         إنّ حُسنَ القولِ في أمورِ الدنيا والتمنية بإصلاحِها وعمارتِها بما ظاهرُه خيرٌ وتيسير ونعمة لا يعني الصلاح الحقيقيّ أو الوصول إلى الله ، بل إنّه قد يكونُ صورةً للكفْر والإفسادِ ، فيكونُ صاحبه مفسدًا شريرًا خِلافَ ما يظهَر من وعْده وندائه بالإصلاح .

·         إنّ كون أمرٍ فيه نفعٌ أو خيرٌ لا يعني صلاح الأخذ به ؛ فإنه قد يكون لهُ من الضرر والسوء أكثر مما فيه من النفع ، خاصةً إذا كان النهي عنه جاء في الوحْي . إلا أنّ هذا شاملٌ لكلّ الأمور في كلّ الميادين الثقافية والاجتماعية والفكريّة ، فيجبُ التبصُّر والتمعُّن في كلّ ما يعرِض ، وعدم الاقتصار على ما يظهَر من أول وهلة أو في المدى القصير : " قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ .. وَمَنَافِعُ لِلنَّاس (!) وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا " .

·         إنّ الزوجَ المؤمنَ خيرٌ قل ذلك الخير أم كثُر ، لأنّ فيه نيّة اتباع أمر الله وطاعتِه ومراعاته بخلاف الزوج غير المؤمن الذي لا يعبأ إلا بالدنيا .

·         إن دعوة الله لعباده بأن يعلموا ويوقنوا بأنه " غَفُورٌ حَلِيمٌ " هو ترجمةٌ لما يقصِده الله من تقوية الرجاء في عباده وإعلامه إياهم برأفته وقربه منهم – تبارك وتعالى وسبحانه وبحمده – وتخفيفًا من وجَلِهم من عقابِه وأخْذه الشديد .

·         إنّ الله – سبحانه – يرشدنا للاهتمام بالكيف أكثر من الكمّ ، وبالجوهر أكثر من المظهر ، وبالمعنى أكثر من الشكل ، فالمنافقون لم تنفعهم صلاتهم ونفقتهم ، والمتصدّق المؤذي بالقول يُفسِد عملَه ، والتصدُّق من رديء المال اتّباعٌ لتخويف الشيطان من الفقر والكساد ، فالواجب تخيُّر أفضل ما يمكن بذلُه ، والإحسان والتلطُّف عند المناولة والبذل بالقول والأسلوب .

·         إنّ عدمَ الخوض في المتشابِه وتفويضه إلى علم الله هو من أمارات الراسخين في العلم .

·         لا بدّ للسالك لله – سبحانه – أنّه سيمرّ عليه مواقفُ يتخلّى فيها عن شيءٍ من شهواتِه ؛ لأنّ الشهواتِ لو اتُّبِعتْ أفسدت صاحبها . ولذلك دلّ الله على ما هو خيرٌ من تلبية الشهواتِ الدنيويّة ، وهو ثواب الآخرة . وقدْ عدّد صفات المثوبين في الآخرة ، وذكرَ منهم الصابِرينَ – كما ذكرهم في كثير من كتابه – ، وهذه الصفة ملازمة للتخلي عمّا يجب التخلي عنه من الشهواتِ .

·         إنّ من اعتنق دين الله حقًّا فلن يخرُجَ عن حالة أن يكون مسلمًا ، وإن خرج عن مسمى الإسلام لم يكنْ متبعًا لهدي الله . لأن الإسلام هو ملّة المرسلين وأتباعِهم ، وما هو إلا استكمال لتاريخ الإيمان في الأرض . أما التطرًّف عن ذلك وزعْم أن النصرانيّة أو اليهوديّة هي الطريق الوحيد الموصِل لله فهو يعني خروجًا عن دين الله ومفهوم الإيمان الحقيقي .

·         إنّ كونَ الإنسان على الحقّ ابتداءً لا يخوّله أن يعتدِي في ردّه على من يسيء إليه أو يكيد عليه بحيث يخرُج عن أمرِ الله وما كفّله بعمله ، بل إنّ الانتصار والحق في هذا الموقِف دنيويًّا وأخرويًّا هو أن يلتزِم المؤمن بالتقوى وما أمره الله بعملِه ويصبِر ولا يحفَل بما سوى ذلك .

·         عدم اليأس أبدًا إذا كان التعامُل هو تعامل مع الله ، فالذي أعطى يحيى لزكريا – عليهم الصلاة والسلام – على الكبر والعقم قادرٌ أن يفتحَ لعبادِه المؤمنين بما يشاء من فضلِه ولو جَمَعَتْ عليه الدنيا بأسرها – كما في الحديث – .

·         إن سَيرَ هذه الدنيا لا يرتبِط في البلاء والرخاء بإيمان المرء واستقامتِه ، بل إنما الأجر والثواب والعقاب والجزاء يوم القيامة والوزن يومئذٍ الحق : " وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ، وإنما الدنيا تُطلَب لذاتها ، والله يُطلَب لذاته – سبحانه وبحمده – . والله أعلم .

·         إن الزوج فيها خيرٌ كثير حتى لو كرهها زوجُها لأي سبب صغُر أو كبُر ، وذلك قد يكون ببركةٍ من الله أو بسكَن واستقرار للزوج أو ترابُط الأسرة واستقرار أبنائها أو انصلاح للأمور في العاجل أو الآجل ، وقد يكون غير ذلك : " فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا " . وإن الطلاق مشروع ، ولكنّ تنبيهَ الله هذا هو حضٌّ على حفظ العلاقة .

·         إن اجتنابَ كبائر المنهيّات سبب في تكفير بقيّة السيئات وبالتالي النجاة والفوز : " إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا " .

·         إن العلاقة بين الزوجين قائمة على الحد الأعلى بالمعروف والإحسان ، لا على الحق والواجب والأخذ والردّ والحساب .

·         إنّ فرائضَ الله في قوانين العلاقة بين الجنسين هي تخفيفٌ من الله لما يعلم من المشقة التي سيكابدها الإنسان إن سلَك هذا السبيل بغير ما فرضه الله وحدّده ، والتاريخ والعلم يُظهِران عاجلاً أو آجلاً .

·         ليس السماح للرجل بالخروج من البيت وعدم فرض الحجاب عليه ولا جعل الطلاق بيده هو تشريفٌ بلا مقابل ، ولا فرض الحجاب على المرأة وحضّها على التستُّر والطاعة هو العكس ، بل هو تقديرٌ وقياسٌ لما جُبِل عليه كلّ منهما وما هو من مهامّ كل منهما . فالرّجل قوّام على حاجة أهله بالنفقة والعمل ، والمرأة بستانٌ لحسن التربية وحسن السكن . وقد خوّل الله الرجال بتقويم الانحراف في النساء عن هذه المهمّة في الدنيا بشكل حدده ودرَّجَهُ ، أما تقويم انحراف الرجال فالله به وكيل في الدنيا أو حتى الآخرة .

-

·         إنّ هدفَ كل رسالة متحقق بإذن الله ، ولكنّ ما ينبغي على الناس عملُه هو التنافُس فيمن يفوز باتباعها ونصرها وشرَفها . وهي على ذلك سهلة المنال لمن أرادَ الدخول فيها بصدق والتوبة إلى الله والرجوع عن الكفر والفسوق : " وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعِ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوّابًا رَّحِيمًا " .

·         إنّ اتباعَ أمرِ الله ابتداءً يجنّب المرء شُؤم الوقوع في المعصية وذلك يتضمّن الندم والخزي مع وجوب التّوبة والكفّارة – بحسب الذنب – ، والكفارة قد تثقُل وتشقّ ، وربما كان أدت المعصية مع التكرار إلى تعود المرء عليها فصار الإقلاع والتوبة منها يحتاج قوةً أكبر وقد يكسل ويقعُد عن ذلك . أما الطاعةُ فإنّها تكسب المرء الثبات مع الأجر والهداية لمزيد منها وتسهيل ذلك على صاحبها : " وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ... " إلى قول الحق – سبحانه – : " ... وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا " .

·         إنّ على المؤمنِ إذا كان يقومُ بعملٍ بمقتضى أمرِ الله وحثِّه عليه والترغيب فيه – الجهاد خاصةً بكافة أشكاله – فإنّه ينبغي له ألا تنزِل همّته أو تنخفِض عزيمتُه ؛ فإنه قد يكونُ مشابِهًا في الصورة لعمل غير المؤمن أو الكفار المحارَبينَ ولكنّه يختلِف معه في الهدَف والدافع والنية : " وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ " . وإنّ هذه الفِكرة كفيلةٌ بأن تجعل المؤمن لو عقلها وفهمها وعمل بها – كفيلةٌ بأن تجعلَ تعبه متعةً وشقاءَه في سبيلِ جهادِه وعمله سعادة ، وقد كان هذا واقعًا في صدر الإسلام إلى أمدٍ بعيدٍ وقرونٍ متطاوِلة ، وإنّ هذا لشاهِدٌ آخر على أن أقوى الناس قوةً وأعظمَهم طاقةً هم المؤمنون المجاهدون في كافة أشكال الجهاد ابتغاء أن تكونَ كلمةُ الله هي العليا وابتغاء وجه الله الكريم – تبارك وتعالى – .

·         الحذَر والتشديد في ألاَّ يكونَ الحكَم في جانبِ خائنٍ كاذِب بأيّ حال ولو كان هذا يجرُّه إلى فضيحةٍ بينَ الناس ، وفي سبيل هذا يجب على الحكَم والقاضي التأكُّد من واقعيّة التهمة وحقيقتِها ثمّ يسلّم القاضي لها ولا يردُّه عنها رادٌّ : " وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا " ، وقوله – سبحانه – : " وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ " ، أي لا تجادل عن الذين يخوّنون أنفسهم بعدم رد الأمانة والحق .

·         الحذر من مراقَبة الناس مراقبةً أشدّ من مراقبة الله ؛ فالله أقرب من أحد الناس من حبل الوريد ، إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ، وفي هذا صريحٌ من قول الله – عز وجل سبحانه وبحمده – : " يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا " ، أي إذ يؤلفون .

·         إنّ اللهَ – سبحانه – لم يغلقْ أمام العبدِ أيّ بابٍ للرجوع إليه مهما بلغ عمله من السوء والمحاربة لله والإفساد في الأرض ، وهذا غايةٌ في تقوية رجاء الناس في الله ؛ فإن الله – تبارك وتعالى – بعد كل ذنب وكل جرم حتى تحريف كلامِ الله وإضلال الناس يفتح بابه بشرط الإصلاح والتوبة والاتباع .

·         إنّ منحَ بني إسرائيل الأرض المقدّسة كان على سبيل الفرض والواجب ، وهذا كأنه فيه إشارةٌ إلى أن ما منحه الله للمؤمنين وجعلَه خصيصةً لهم ولكنه يستدعي سعيًا وعملاً فإنّ الإعراض عنه وعدم السعي فيه قد يكونُ ذنبًا يستوجِب السخط من الله – سبحانه – ، ولكنّ عقوبة التيه أربعين سنةً قبل دخول الأرض المقدسة المفروضة لبني إسرائيل قد تكون إما استجابةً لدعوة موسى – عليه الصلاة والسلام – وإمّا عقوبةً على الإعراض عن منحة الله . وتعضيدًا لذلك توعّد الله هذه الأمة بالعذاب الشديد والاستبدال لغيرهم بهم في حالة عدم الاستجابة لنداء الجهاد : " إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ ... " .

·         إنّ منحةَ الله وفريضتَه تُبتَغى ويُجتهَد فيها لا لأجل نيلِها محضًا ، بل لمجرد أن الله – سبحانه – فرضها وكتبها ، ولذلك على المؤمنين ألا يناقِشوا في مشقّة الفريضة وما يتراءى لهم من عقبات ، بل يسلّموا ويطيعوا ويشرعوا في العمل فإنه يتيسّر أو يكتب الله من مشقته مخرجًا ، وما افترضه الله فإنه حقيقُ النتائج بالِغ الغاية والمقصِد وإن بدا الطريق إليه صعبًا وشاقًّا : " ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنينَ " .

-

·         اقتباس – من الشيخ عبد العزيز الطريفي – : إنّ الفتنة نوعان ، والقائل : " ائذن لي ولا تفتني " قد حذر من فتنة المباشرة والإقدام من فتيات الروم ووقع في فتنة الإحجام في استئذانه لعدم الجهاد .

·         إن التسليم لله لا يعني توقُّع السوء والابتلاء منه ، بل يصاحبه حسن ظنّ به ويقين بولايته : " قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " .

·         إنّ العاقبة التي تكون للتقوى والإيمان قد يطولُ انتظارها ، ولذلك يتكرر في القرآن كثيرًا " فَتَرَبَّصُواْ – فَانتَظِرُواْ – فَاصْبِرُواْ " ، والحرب على الكفر والفساد ليست على صعيد واحد ، بل على أصعدة كثيرة جدًّا ، فإذا كانت حرب واحدة منها تنتهي عاجلاً ، فإن بقيّة الحروب وأكبرها لن تنتهي إلا بعد انتظار وصبر ؛ حتى يأخذ التمحيص والتبيين للناس مجراه ، وتلك سنة الله في نصر الحق . والله أعلم .

·         إنّ الإقدام على العمل بطِيب النفس والإيمان في القلب قد يكون في أحيانٍ الطريق الوحيد لقبول العمل ولو حسُنتْ صورتُه وظاهرُه ؛ المنافقون لم يقبل الله – سبحانه – منهم عملاً ، وعلل ذلك في قوله : " وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ " .

·         الربط بين المساجد ومحبّة الطهارة والمداومة عليها وجعل ذلك من المناقب الخاصة برجال المساجد الموجِبة لحبّ الله لهم وتمييزه لهم : " فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ " .

·         إنّ مفهومَ الابتعاث الحديث شابهَه في السابق مفهوم السفر لطلب العلم في المدينة على يد النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابته من بعده ، إلاّ أن ذلك ليس في كلّ أمرٍ ولا في كل هدف ، بل في ما هو من الضرورات أولاً ، وما هو من العلم النافع الصالح بحق . وكان من أسباب ذلك أنّه ليس من الوارد ولا المعقول أن يذهب كلّ أفراد المجتمع ليحصلوا على هذا العلم ، بل يندبون أحدهم أو طائفة منهم ليتعلموه ثم يأتون إلى قومهم فيعلمونه لهم بدورهم . وفي هذا يقول الله – جل وعلا – : " وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاً نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ " .

·         إنّ نموذج الإنسان الراقي الربانيّ هو الذي لا تغيّره الظروف والعوارِض ، بل هو في كل حال يعمَل الصالحات ويصبِرُ ، فهو ينتظِره مغفرةٌ وأجرٌ كبير : " إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " . بخلاف اليائس الجاحد للنعمة في حال الشدة وزوال النعمة ، والفرِح المغرور الفخور في حال الرخاء والنعمة .

·         إنّ ظنّ أن هناك ما يعارِض وعدَ الله أو سنتَه فيما يحدُث ويكتبه الله من مقاديرَ وقضاءات هو من الجهْل : " فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ " ، وُيستفاد من الآيات أنّ ذلك من الجهل ، ولكنّ أبانا وسيدنا نوحًا – عليه الصلاة والسلام – لم يكنْ من الجاهلين بل تابَ بعدَما تبيّن له الحق والصدق ، كيف لا وهو منبأ من الله – عز وجل – ؟!

·         إنّ عمرانَ الدنيا وبهرجَها وصلاحَ أمور معيشتها ليس دليلاً على السير على الصراط المستقيم ؛ فالله – سبحانه – يستشهد بكون القرون الهالكات أكثر عمرانًا من الكفار زمن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولم يغنِهم ذلك من العقاب والهلاك ، وذلك في مواضع كثيرة جدًّا تصريحًا وتلميحًا : " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُواْ الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْاْ فِي الْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ " . وكون آثارهم باقية ينبغي أن يكون عبرةً وعِظة أكثر من كونه دليلاً على قوة وحضارة وعظمة .

-

·         تمامُ النعمة على الفرد قد يكون بتبليغِه مرتبةَ النبوّة ؛ إذ هي أعلى درجات العلم البشري ، والأكثر علمًا مع الخشية والتقوى هو الأقرب إلى الله ، والأقرب والأولى لله هو الأكرم والأشرف ، كما أنها غاية المقصود من الخلق وهو العبادة ، والنبوّة أشرف مراتب العبادة . وفي ذلك قول الحق – سبحانه – على لسان يعقوب – عليه الصلاة والسلام – : " وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ " .

·         من أسباب النجاح بإذن الله اغتِنام الفرَص وقتَما بدتْ بوادِرُها وعلاماتها مع جعل النية هي ابتغاء فضل الله واستغلال نعمتِه في نفع الناس والخير والصلاح . من ذلك اغتنام الصِّدِّيق نبي الله يوسف – عليه الصلاة والسلام – لمحادثته مع شركائه في السجن لدلالَتهم على التوحيد ، وكذلك على موهبته في تقدير المعيشة والغذاء والادخار وتأويل الأحاديث ، ومنه أيضًا طلبه من الملك أن يجعلَه على خزائن الأرض مع ذكر قدراتِه المميزة في هذا الجانب .

·         عدم الاستعجال في التمنّي وإطلاق الأحكام والدعاء خاصةً فيما يحتمل أن يكون فيه مشقة أو سوء ، ولو كان الدافعُ لذلك حاضِرًا ، ومن ذلك قول يوسف – عليه الصلاة والسلام – : " رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ " ، فاستجاب له من حيث صرف كيد النساء عنه ، وبالترافُق مع ذلك سُجِن ولكنّه لم يكن استجابةً لدعاء ولكنّه مطابقة لتمني يوسف – عليه الصلاة والسلام – ، وكان الله – سبحانه – يستطيع أن يصرِف عنه كيدَهنّ بغير أن يُسجَن ؛ فالله واسعٌ عليمٌ .

·         إنّ التّعمّق في بذل الأسباب والتدبير قد يكون سببًا في تأخُّر الحاجة ، ربما فقط إذا كان الشخص يهدِف إلى التوكُّل ولكن الشيطان وسوس له ليجهد في الأسباب الدنيوية ، أما من طلب الدنيا محضةً فإنّ الله ييسر له إن شاء ولا يمتحنه لأن الدنيا عند الله رخيصة . ونبي الله الصديق يوسف – عليه الصلاة والسلام – لمّا حرص واحتال ليخرج من السجن بأن طلب ممن أوّل رؤياه بأنه سينجو بأن يذكرَه عند الملك – لبث بعدها في السجن بضع سنين أُخَر ، ولكنّه مع ذلك خرج بعدها مع عظمة صيته ومكانته .

·         إن مما يدلّ على أنّ مصائب الطغاة والمفسدين قد تكون وجهًا آخر لعطايا وهِبات الصالحين والمحسنين تكرار قصّة بشارة الخليل – عليه وآله ومحمد وآله الصلاة والسلام – مع قصة هلاك قوم لوط – عليه الصلاة والسلام – في أغلب المواضع التي ذُكِرتْ فيها إحداهما فإنها تترافق مع الأخرى .

·         إنّ مما يدلُّ على استقامة سبيل وطريق هذه الأمة وهذه الرسالة الخاتَمة رفعُ كل التحريمات والأحكام التي كانت بمثابة عقوبة أو عاقبة لعدوان الأمم السابقة وعصيانها ، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك عدم تحريم السبت على هذه الأمة : " إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ " ، وتحليل محصنات أهل الكتاب وطعامهم وغير ذلك من أحكام . وهذا قد يدلّ على صلاح في فطرة أتباع هذه الرسالة واستقامة أنفسهم عمومًا . والله أعلم .

·         إنّ كلامَ الله – عز وجل – مهما كثُر ومهما استمرّ فإنه لا يكون منه إلا الحق ، ولا يتناقض ولا يتغير ولا يدخُله خلل ، وهوَ لا علمَ بنهايتِه ، فكذلك علمُ الله لا علمَ بنهايتِه ؛ إذ هو أقدَمُ من كل شيء ، وكلُّ حادِثٌ فهو متضمَّنٌ فيه . والله أعلم . " قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا " .

·         إنّ تاريخَ البشرِ الخالد الصالِح هو تاريخُ الأنبياء والأولياء والصالحين ، وإنّ كلّ ما عداهُ فهو انحرافٌ وفساد ، والله – سبحانه – يذكُر قصص أنبيائه في كثيرٍ من المواضع ، ثمّ يعرّج على ذكر اختلاف الناس من بعدهم وإفسادِهم ، وتارةً يعرّج على ذكرِ استخلاف الصالحين والمؤمنين بعد الفساد ، وفي ذلك دلالة على هذا المفهوم وتقرير وتأكيد له .

-

·         إنّ من أسباب الثبات والرضا الذاتي والرزق إقامةُ الصلاة والذكر صباحًا ومساءً وصلاةُ الليل معَ الصّبْر ، وذلك مذكور في سورتي هودٍ وطه والمزمّل وغيرهما .

·         رِزْقُ الله المُعتبَر ليس هو الذي في الدنيا ، بل الذي في الآخرة : " وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى " ، أي خيرٌ من زهرة الحياة الدنيا وأبقى منها ، وذلك لا يكون إلا في الآخرة ، أو يكون القصد أنْ ليس ما يظهَر أنه رزق هو الخير والأبقى ، بل ما يأتي من الله صرفًا وعطيّة كيفما كان في الدنيا والآخرة كليهما . والله أعلم .

·         إنّ الظالمَ المصرّ لن يخرُج من إحدى ثلاث حالات : عقاب قريب أو عقاب مُؤخَّر . ولو تأخّر العقاب فإنما هي فتنة ، ولو تعجّل فهو حقّ ، فلم يتركِ القرآن الحال مبهمة : " وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ * ... وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ " .

·         الصّفات آخرَ سورة الفرقان تُشيرُ إلى رد الجهل بإحسان ، واجتناب الكبائر ، والوفاء وعدم الخيانة وشهادة الزور ، واتباع الآيات وعدم الإعراض عنها وتركها ، والاقتراب وحسن عشرة الأهل من أزواج وذرية . فبذلك تبيّن الصفات المثلى للمؤمنين الربانيّين المتصفين بصفةِ ربّهم الرحمن – سبحانه وتعالى وبحمده – والمستحضرينَ له وللإيمان به على كل حال ، ظاهرًا عليهم كونهم خلفاء الرحمن في أرضه . والله أعلم .

·         بيّن آخرُ سورة الفرقان كذلك أن وزن الإنسان إنما يكون بإيمانه وربانيّته ، وإن خرج من ذلك قلّ وزنُه أو عدِم : " قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ " ، وورد في التفسير معنى : أي لا يعبأ الله بكم لو لم تؤمنوا . والله أعلم .

-

·         إنّ حكمَ اللهِ إذا وقعَ ساوى بين كل المجرمين رؤساء ومرؤوسين ، ولمْ يكن هناك أي فرق في القوة أو مقاومة النار مثلاً والعذاب : " إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ " .

·         خلْق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس .

·         إنّ التقدُّمَ في العلم الدنيوي والتمكُّن من الدنيا قد نالَه الكفار من الأقوام السابقة ، بل وكان سببًا في استكبارهم عن تصديق دعوة الإيمان بالله وتوحيده : " فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ " ؛ فإن إغراق الأقوام في الفرح بما هم عليه من الدنيا وزخرُفها واستقرارهم عليه مع تكذيبهم ورفضهم للرسالات مُؤذن بنزول الهلاك . والله أعلم .

·         إنّ كلّ من أراد هدفًا بمحض إرادته وكل رغبته ودفين نيّته فإن الله يعطيه إياه ، وكذلك من أراد الدنيا متمثّلةً في شيءٍ فإنه ينال هذا الشيء منها ولا ينال كلَّها ، أما من أراد الآخرة ووجه الله فإن الله يزيدُه : " مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ " .

·         إنّ أيّ نعمةٍ يتنعّم بها الإنسان ولو كانتْ جزءًا من القدَر ومن الجريان الطبيعيّ للأمور – هي تستحق الشكر لله والامتنان له ؛ لأنّ كلّ ما هو كائن يمثّل إرادةَ الله المحضة ومشيئته ، فلو شاء بدّله وغيّره ، فهو يُشكَر لأنّه جعلَ قدَره ومشيئته في يُسْر بني آدمَ ونعمتهم ، ولو انعكَس الأمر فهو يستحقّ الإنابةَ إليه والتسليم لَهُ لما قرّرَهُ من بالغِ حكمتِه وعدْلِه ولُطفِه وولايته لخلْقه وعباده لا سيّما المؤمنين منهم والمتوكّلين .

·         إنّ من أمارات العبد الصالح ألا يُنكِر أصلَه ، ويستذكر نعمة الله عليه في حياته وعُمُره ويمتنّ لمن أسدى إليه المعروف ووقَفَ معه لا سيّما الوالدَين ، وفي ذلك تقرّر الآية : " حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ... * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ ... وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ " . أمّا من لم يكنْ كذلك فهو مستحقٌّ للهلاك والعقاب : " بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمَ الْفَاسِقُونَ " الذين فسقوا من نعمة الله وآياته وشكره وشكر الوالدين .

·         امتدَح الله أولئك الذين فتح لهم الفتح المبين وبيّن صِفاتِهم آخر السورة ، فمنْ أرادوا ذلك الفتْح المبينَ فليتّصفوا بصفاتهم في أنفسهم وفيما بينهم وفيما بينهم وبين الكافرين .

·         إنّ سورةَ الحجرات تكاد تؤطّر كل تعامُلات المؤمنين أخلاقيًّا فيما بينهم ، وتضمَن التوافُق المستمرّ وعدم نشوب الخلافات الداخليّة لو اتُّبِعتْ وطُبِّقتْ وروعِيَتْ .

·         القرن بين حث المؤمنين على التقوى واستدراك الذات والإنفاق وبين ذكر المنافِقين وسُوءِ وعاقبة ما هم عليه ، كما في سورة الحشر وسورة المنافقون وربما غيرهما .

·         القرْن بين ذكر بني إسرائيل وما حصل منهم من فسوق وعصيان وبين تذكير المؤمنين بحفظ العهد وزيادة التقوى والطاعةِ والاتّباع والتسليم .

·         إنّ وعدَ الله بالنصر والفتح القريب قائمٌ ما قام الموعود عليه ، وهو الإيمان بالله وبالرسول والجهاد في سبيله الله بالأموال والأنفُس . ومتى ما انتفى الموعودُ عليه فإن الموعودَ لا غرابةَ في انتفائه . والله أعلم .

·         إنّ حُسنَ الجسم والصورة لا يعنِي قِيمةَ الجوهر والحقيقة ، مثلَما أن نوال الدّنيا لا يعنِي رِضا الله والسير على الصراط المستقيم .

·         إنّ ذكر المقربين الكفار من الأنبياء العظام وذكر هلاكهم وعدم إغناء أنبيائهم عنهم من الله شيئًا مُؤذِنٌ بأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأنّ كلّ نفسٍ بما كسبتْ رَهينة ، بل وينبّه من اتّصل بالأنبياء بنسَبٍ أو عشرة أنّ الحذر واجبٌ عليهم لئلا يغترّوا أو يتّكلوا أو ما شابه . كما أن ذلك يعني أنّ من اتصل بأهل الكفر والفجور والطغيان والظّلم لا يحرمهم ذلك من نعمة الولاية والصلاح ، ولا يكونُ حجّة لئلا يهتدِيَ ولا يتّبعَ الحقّ . وفي كلا الوجهَين السابقَين إيعازٌ لكل من اتّصل بصالح أو اتصل بمجرِم أنّه لا يغني عن المرءِ شيءٌ إلا عملُه الجاري والمستمرّ وما يُبدِيه في المواقِف من شكر لله للاتصال بأهل الصلاح ، أو براءةٍ لله من أهل الإجرام والظلم . والله أعلم .

·         إنّ التوبةَ تمحو أثَر العمل السيّئ وضرَره على صاحِبِه يومَ القيامة ؛ إذ أن العبد حينما يرى في صحيفته العمل السيئ ثم يرى بعده التوبة منه فإنّ ذلك يُفرِحُه ويُسعِده ، بعكس ما قد يكون حينما يرى العمل السيئ ثم الغفلة عنه وعدم التوبة منه ، ولكنْ يُرجى لهذا توبةُ الله عليه وغفرانه له إذا لم يُجاهِر به : " قد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم " ، جل الله وعز وعلا . ومن ذلك يكون أهل الشمال هم " الْخَاطِئُونَ " الذين تعمّدوا الخطأ ولم يرجِعوا عنه بخلاف الأولين . والله أعلم .

·         إنّ حملَ الرسالة مقترنٌ بقيام الليل ، وهو صفةٌ حريّةٌ بكل من تصدّى لهذه المهمة ، طالَ القيام لليلِ أو قصُر ، فآخر الأمر كان من الرب – سبحانه وتعالى – : " فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ " . والله أعلم .

·         ممّا يؤكّد على فتنة الناس حتّى يكونَ دخولُهم للإيمان صادقًا وخالصًا لله رغمَ كل التحديات والصعوبات حتى العقليّة منها – ذِكْرُ عدد الملائكة على جهنم وهو تسعة عشر ، مع أنّه عدد ليس بكثير جدًّا ، وقد يستغْربُ غير المؤمنين تحديدَه ويعتبرونه من التخريف : " كَذَلِكَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ " .

·         تذكير الله – سبحانه – لكلّ البشر بأصلهم وواجبِهم الأوّل ، وهو التوجُّه لله ، ومنهُ شُكرُ نعمته وأداء أمانته ، وكان ذلك في السورة التي فضّلت الأعمى المغمور على الملأ والكُبَراء في الدعوة للدينِ والمعرفة عن الله – سبحانه – ، فوقع ذلك أصدَق موقِع وأخلَصه وأوضحَه : " كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ * فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ... " .

·         إنّ طريق طالب النجاة في الدنيا والآخرة سهل : " وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ ... ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ " ، ولم تذكر الآية " وعملوا الصالحات " ، بل إنه من اقتصر على هذا وتُوفّي عليه فإن النجاة تلحقُه بإذن الله . والله أعلم .

·         إنّ من مُنطلَقات هذه الرسالة وملةِ إبراهيم ودين الله والإسلام عمومًا هو تكريم الله لبني آدمَ – عليه الصلاة والسلام وكل الأنبياء ومن اتبعهم بإحسان – وذكر تفضيل الله لهم بتشريفهم بالتكليف والتعرُّف عليه بمحض إرادتِهم واختيارِهم لا بتسييرهم كبقية المخلوقات – عدا الجنّ – ، بالإضافة إلى تسخير الكونِ وتعليمه سنته فيه وقوانين خِلقَتِه التي تجري عليها ، ومع كلّ ذلك تذكيره بواجِب العودة إلى الخالق والامتنان له وشكره لذلك . فأول ما نزل من خير الكتُب ، الكتاب المجيد الذي هو في لوح محفوظ : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ * كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى ... كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ " .

·         إنّ التكذيب بالدين وما فيه من بعث وحساب يقترِن بالإساءة للخلق .

·         التحذير لمن لم يعتنقْ جوهر الدين بل راءى به ولم يُعرِف للناس ولم يحسنْ إليهم ، ومثله من ضيّع الصلاة ، وبيان أن هذا الصنف مثل الصنف السابق : " فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ " . والله أعلم .

·         ختَم الله كِتابَه بالتوحيد ، والتحصُّن بالله والاستعاذة به من كل الشرور عامةً والشيطانيّة خاصّةً . وقد يكون في ذلك دَلالة على وصيّة الله لعباده المؤمنين .. صفوتِه من خلقه .. وأهل هدايتِه ورحمته الخاصة .. وصيّته – تبارك وتعالى – لهم بالاتجاه له وحده على الدوام والاستعانة به واللجوء إليه على كلّ حال . والله أعلم .



ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، والحمد لله رب العالمين ،
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين .
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي .
-
مكة – 6:20م 29/9/1434هـ حسب رؤية الهلال
بسّام بن عصام بن محمّد

~~~

مُلحَق : من تأمُّلات في تلاوات غير مرتّبة

     الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده ، وآله وصحبه ومن والاه ، ولا حول ولا قوةَ إلا بالله ، وبه التوفيق وهو المطلوب والمقصِد ..

·         علّم الله كليمَه موسى – عليه الصلاة والسلام – أن يخلع نعلَيه لأجل أن المكان الذي كان فيه هو مكان مقدّس ، وفي هذا دلالة على اعتبار أهمّيّة تقدير المكان المقدّس من حيث التخلّي عن بعض المظاهِر فيه ، وقد يكون من علل ذلك تنقية النّفس من كل ما سواها لأجْل حُسْن استقبال الخير والحقّ وتزكيتها .

·         استعمَل الله – عز وجل وعلا – تعبير الاصطناع حينَما ذكر ما جرى لكليمه موسى – عليه الصلاة والسلام – ، وهو مناسِب ظاهرًا لما فيه من تأثير على النّفس بالتجارب الطويلة والكثيرة والعميقة واللطف الإلهيّ على مدى أربعين عامًا سبقتْ النبوّة ، كلّها من أجل إنتاج هذا الإنسانِ الزكيّ رفيع النّفس ، وفي الحديث شاهد : " أدّبني ربّي فأحسن تأديبي " ، والله أعلم .

·         إنّ مجرّد ادّعاء أن لله – سبحانه وتعالى – ولدًا هو جرم عظيم ، وقد علل الله – سبحانه – في آخرة سورة مريم – عليها وابنها الصلاة والسلام – لهذا بأنّه قدْح في الوحدانيّة والصمدية له – تبارك وتعالى – ومناقضته لحقيقة الحال ، ولربما لا نفقه علّة كونه جرمًا بهذه العظَمة لقِصَر منّا في فهم حقيقةِ هذا الادعاء الشنيع وحقيقة غنى الله – سبحانه – ومقامه في ربوبيّته ووحدانيته وصمديته . ثم إنّ الله – عز وجل وعلا – بعدما أعظم النكير على هذا الادّعاء وعَد الذين ءامنوا وعملوا الصالحات بنيل الودّ منه ، والودّ يكون أيضًا بين الوالد والولد ، والمرء والصاحبة – تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا – ، ولكنّه إشارة إلى علاقة أخرى ليست لها صلة بالأبوة أو البنوة كما هي عُرِفتْ عند البشر والحيوانات ، وهي خاصّة متعلّقة بأهل الصلاح والزكاة ، أي بقِيَم ومعانٍ لا بنسب ولا ما إليه ، وسبحان الله العظيم ، والله أعلم .

·         يبدو في السياق القرآنيّ أنّ الوعيد الشديد لا يكونُ إلا لجرم عظيم ، إمّا بكفْر نعمة ، أو جحد حق ومكابرة عليه ، أو إفساد وبغي ، والأصْل أن كل ما هو خيرٌ فكل الرسالات لا سيّما هذه الخاتَمة تدعمه وتبشّره بِشارة من عند الله خاصّة له : " فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا " ، أي أنّ هنالك من هم على الإيمان والتقوى في أصلهم ، فهؤلاء لا تأتي الرسالة إلا مبشرةً لهم ، وأمّا المعادون للحق والخير فإنها تقيم عليهم الحجّة بالنذير ، وقد أعذر من أنذر ، وقد جاءت هذه الآية بعد نذير شديد لأقوامٍ ذُكِروا قبلها ، وكأنّها تشير إليهم وتوضّح بعض الكلام ببعض ، والله – سبحانه – أعلى وأعلم .

-

·         إنّ من أوفر ما يُستقى منه الإيمان النظر في خلق السماوات والأرض وما بينهما والتفكر فيه ، وإنّ القرآن الكريم قد وطّد لهذا بكثير من الندب إليه ، فضلاً عن دلالة القارئ عليه من خلال بيانه الدقيق والمُحكَم لجريانه وأصله وعمله الموافق لقوانينه الحقيقيّة والتي ما زال الناس يكتشفونها زمانًا بعد زمان ، وإنّ القرآنَ ليصلُح – من أجل ذلك – أن يكون مصدرًا للعلم بالكونِ شريطة الفهم الدقيق المتجرّد من كل تسرّع ومن كل موروث ؛ فهو لا يعرف حدود الزمان والمكان بل الزمان والمكان يخضعان له .

-

·         إنّ في قصة الخليل – عليه وعلى آله ومحمد وآله الصلاة والسلام – حينَما رفَض كلّ الآلهة المصنوعة التي لا تملِك الضرّ ولا النفْع – حينها لم يرفِض – مع ذلك – حقيقة الإله الحقيقيّ المتعالي عن كلّ تصوير ومساس ، وقد يكونُ ذلك لعلامات واضحات رآها دلّت عليه – سبحانه – وعلى حتميّة وجوده ، ولا زال أهل الصدق والفطرة من البشرية يرون هذه الأدلّة والآيات في صنع الله جليّة ترمي بكلّ الخرافات الماديّة في الجحيم ، وربما كان هذا ما دلّ عليه حوار الخليل – عليه الصلاة والسلام – المتأمّل في ملكوت السماوات والأرض ، أو قد يكون عدم نفيه لحقيقة الوجود الإلهي المتعالي قائمًا على بقية موروثة  من التوحيد ممّن سبقوه ، والله أعلم .

·         في ذكر الله – سبحانه – ما فضّل الله به خليله إبراهيمَ – عليه وآله ومحمد وآله الصلاة والسلام – من خلود الذكر وعقبٍ صالح وإماميّة لأهل التوحيد من بعد – في هذا قد تكون دلالة على ما جعل الله من سنته في مكافأة أهل الإخلاص والتجرّد للحق تمامًا ، فهمْ لهم الخلود بالذكر والعمل كما للحق الخلود ، ولهمُ العِوَض عمّا لقيَهم من أذًى من غربةٍ أو ظلمٍ أو كتم صوت وقهْر وغَمْر ، والله أعلم . وقد يكونُ من هذا السنة في الخليقة إذ السابق يفضُل على اللاحق بالوراثة وسَبْق العلم والدلالة ، وغير هذا أيضًا قد يكونُ من هذا دلالة على بركة الحق والإخلاص له ، إذ تطاول الأزمنة والعصور كفيلٌ بتجلية حُسْن نباته وعقبه ومصيره ، وأنّ الجزاء يكونُ كفْء هذه البركة بذاتها ولو لم يكنْ بينها وبين قيام الساعة شيء ، أيْ لا يكافَأ الإخلاص للحق بما ظهر من حسن عاقبته وبركته بل بأصله في أيّ زمان ، ولكنّ طول الزمان رحمةٌ من الله لبيان عظيم خيره وبركته .

-

·         إنّ الفِتَن والحوادث الكاشفة المتعرضة لمعدن الإنسان الحقيقيّ هي من سنة الله – جل وعلا – في الحياة لا محالةَ ، ولو عظُمَ إخلاص العبد وصلاحُه واستقامتُه ، ولا مكانَ في الخلْق لغيرِ الحقيقةِ في النهاية ؛ لأنّ السماوات والأرض خلقتا بالحقّ ، ومع هذه الحقيقة فإن الله – سبحانه – لم يطلقْ هذا الأمر ، بل وعَد بهداية من جاهد فيه والمعيّة لمن كان من المحسنين : " أحسبَ الناسُ أن يُتركوا أن يقولوا ءامنا وهُمْ لا يفتَنون * ولقدْ فتنّا الذين من قَبْلِهم فليعلَمنّ الله الذين صدقوا وليعلَمنّ الكاذبين * ... * والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبُلَنا وإنّ الله لمعَ المُحسِنين * " ، وقد بيّن الله في السورة نفسها في آخرها كيفَ وضَع الرب الخالق – سبحانه – العلامات لابن آدمَ التي سخّر له العقل المناسب لكيْ يلحظها ويستدلّ بها على الحق – سبحانه – ، وضرب لهذا مثلاً إذْ يدعو الناس ربهم ويتضرعون إليه بالإخلاص في وقت أهوال البحر وهياجه ، فإذا نجوا نسوا ذلك ، ولم يتنبّهوا إلى أنّهم يعيشون – أهل مكة تحديدًا – نعمة الله عليهم بالأمن والرغد بدون سؤال ولا تغيير في ديارهم في مكة ، وكان ينبغي لهم إذْ تضرّعوا وقت الشدة للواحد الأحد واستجاب لهم – كان ينبغي أن يشكروا نعمتَه نفسَه بدون تضرّع ولا طلَب ولا تغيير – إلى اليوم – ، وكذلك الكافر الجاحد يؤمن بباطلٍ فجّ ويكفُر بنعمةٍ وآيةٍ ظاهرة معايَنة له على الدوام في كل مكان وكل زمان : " أفبالباطِل يؤمنون وبنعمةِ الله يكفُرون * " . والله أعلم – تبارك وتعالى – .

-

·         كونُ الخلق كلِّه قد خُلِق بالحقّ ، بمبدأ وقانون ومعنًى ، هو من أهمّ المفاهيم التي تقوم عليها ثقافة الإسلام والقرآن ، وعليه يقوم الحِساب والوعظ به والحثّ على الاستعداد له بكلّ ما جاء به الشرْع ، ولذلك كانت الدعوة للحقّ والوقوف لأجله والجهاد في سبيله وتبيينُه وتحرّيه من أعظم ما يكونُ من قِبَل الإنسان وكان معدودًا في أفضل الأعمال ، والحقّ هو هو فكرةً أو عملاً أو قولاً ، وسواء لو تعلّق بالخلق أو بالخالق ، وسواء لو تعلق بالاعتراف بربوبية الخالق وألوهيته وحقه بعبادته والخضوع له أو تعلق بحقيقة الكون وما يدلّ عليه أو ضعف المخلوق أو تعلق بالاعتراف بمعنى الأخلاق ووجوب اتباعها ، والجهاد في سبيل إحدى هذه المظاهر للحق هو كالجهاد في الأخرى ويتفاوت بتفاوت المشقّة والصّعوبة . وإنّ من لم ينصعْ للحقّ ولم يعترفْ به ويعملْ في ضوئه – فضلاً عمّن ضللّ الناس عنه ودعا إلى غيره وعاند في سبيل ذلك – هو من يستوجب العذاب والتنكيل في الدنيا والآخرة ، وهذه الرغبة عن الحق هي أساس استحقاق العذاب والعقاب الإلهي بموجب الشرع والدين . ولولا أنّ الإنسانَ مخوّل ليعمَل في الكون بما يريد متروكةً له مساحة شاسعة من الاختيار والتصرّف ، لما كان الفساد في الأرض ولما احتيج إلى التنبيه لهذه الحقيقة ؛ لأنه المخلوق الذي حمَل الأمانة واستُخلِف في الأرض لينظر الله كيف يعمل فيها . والقرآن مملوء بزخَم هذا المفهوم في صور وأشكال ومناسبات كثيرة . وهذا يدلُّنا على كارثيّة عدم الاعتراف ببناء هذا الكون على فكرة ومبدأ كما يظهر ذلك من ملحدين وماديين ، ويدلنا كذلك على التعلق العميق من القرآن والدين الحق – الإسلام – بالكون والحياة بكل ميادينهما ومعانيهما العميقة والأصيلة الفطرية .. فالله أكبر ولله الحمد ، " فذلكم الله ربُّكمُ الحقُّ فماذا بعدَ الحقّ إلا الضلال فأنى تُصرَفون * " .

-

·         إنّه مما أقام الخالق – تبارك وتعالى – به الحجّة على الناس ليسلموا له ويؤمنوا به أنّه سخّر لهم ما في السماوات وما في الأرض ، وهذا مشاهد يوميًّا للأمي والمتعلّم ، فلولا أنّ للإنسان الدماغ الذي يتعاطى مع الكونِ بكل أبعاده وما فيه من أحياء وجمادات وقوانين ويستفيد منه ويستخدمه منذ قديم الزمان لكان يعيشُ في كونٍ ليس فيه إلا الخطَر والتعَب والإصابات ، ولكنّ قضاء الله قضى لكل المخلوقات بهذا التسخير في نواحٍ دونَ نواحٍ ، إلى أن يقضي الله عليها الفناء – على مستوى الأفراد أو النوع – بحكمته وإرادتِه ، فاستوجَب ذلك استدلال العقلُ الإنسانيّ على الخالق المسخِّر لكل ما في الكونِ للإنسان وحبّه والتقرب منه والتسليم له بالقوة والخلق والعلم : " والله جعل لكم مِّمَّا خلَق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكنانًا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ وسرابيل تقيم بأسَكم كذلكَ يتمّ نعمتَه عليكمْ لعلّكم تُسلِمون * فإن تولّوا فإنما عليك البلاغ المبين * يعرِفونَ نعمة الله ثمّ ينكرونها وأكثرهمُ الكافرون " ، أكثرهم لا يقودُهم لكفرهم إلا جحِدهم للنعمة التي يسرحون فيها كل يومٍ وليلةٍ في حيواتِهم واستعماؤهم عنها .

·         إنّ استعمال الحق – سبحانه – لألفاظ " أكثرهم ، كثيرًا منهم ، إلا قليلاً منهم ، ليسوا سوآءً ، إلا الذين " هو من دقّة تعبيره – تبارك وتعالى – ولا عجبَ ولا جديد ، فإنّ التعميم المُطلَق – ولو كان على شرّ الناس وأفسدهم – ليس من المنطق ، والمشاهدات تبيّن للناس أنّ الجماعة الكبيرة لا ينطبِق على أفرادها جميعًا حكمٌ واحدٌ أبدًا ، إلا أن يكونَ بينهم اختلافاتٌ وتفاوتٌ في الصلاح والاستنارة على الدّوام وفي كل جماعة على هذا النعت ، وإنّ هذا ليعلّمنا قانونًا في إطلاق الأحكام على النّاس والعدْل مع كل الجماعات وتحري القوْل بالحقّ الدقيق في كلّ مسألةٍ وشأنٍ ، وهذا إذًا قانونٌ ربّانيّ وخلُقٌ علويّ . والله – سبحانه وتعالى – أعلم .

-

·         يبيّن الله – سبحانه – أن من الذنوب ما لا يُؤاخَذ عليه الإنسان : " ويجزيَ الذين أحسنوا بالحسنى * الذين يجتنبُونَ كبآئر الإثم والفواحش إلا اللمم " ، مبرّرًا ذلك ومعللاً له بأنه – تبارك وتعالى – يعلم ما لا يطيقه الإنسان ، فهو أعلم به إذ أنشأه من الأرض ، الأرض نفسها التي نشأت منها الحيوانات : " هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض " ، يتغذى مثلها ، ويتكاثر مثلها ، ويمرض مثلها ، وتعرض له العواطف والمخاوف مثلها ، فلا بدّ له من الزلل والخضوع لكينونته الترابيّة في أمور معينة هي التي يعلمها الله – سبحانه وتعالى – ولا يؤاخذ عليها ، وإذ هو جنين في بطن أمه : " وإذ أنتمْ أجِنَّةٌ في بطُون أمّهاتِكم " ، له من الجينات ما يحدّه في حدود معيّنة ويحكم عليه أمورًا خارجَ إرادته قد تقوده في أحيان إلى ما يخالف الشرع ولكن دونَ شعور وتدبير . مع هذا إذا أصَرّ الإنسانُ على ما يعملُه من صغائر فقد يؤاخذه ربه – سبحانه – عليها تبعًا لقاعدة : الإصرار على الصغيرة كبيرة ، والإصرار على الصغائر يستحيل من زلّة ليس منها مناص إلى قصد وإرادة واعية ، وكلّ إنسان حسيبُه ربُّه . والله من قبل ومن بعدُ أعلم .

·         يعقّب الله – سبحانه – على ذكر أصل الإنسان وما قد يعرِض له من جرّائه بتعقيب بليغ في موضعه ، حكيم حكمةَ القائل – سبحانه وتعالى وجل وعز وتبارك – ، فينهاه عن العُجْب بنفسه وتزكيتها من تلقاء نفسِه : " فلا تزكّوا أنفسَكم هو أعلمُ بمن اتّقى " ؛ لأنّ من كانت الأرض والمادة منشأه كالحيوانات فإن إدراكه محدود جدًّا بالنّسبة لمعرفة كل شيء والفطنة للحكمة في كلّ شيء ، كما أنّ أفعالَه الخيّرة ليست كلّها بدافع الطاعة ولو كان ظاهرها طاعةً موافقةً لشرع الله لأنّ طبيعته فيها من الحيوانيّة ما قد يجرّه إلى فعلٍ خير أو شرير من غير رجوع لشرع أو منطِق فاصل بل من جراء الطبيعة الحيوانية الانفعالية ، " هوَ أعلم بمنِ اتّقى " ، بمنْ قصد بفعلِه رضوانَ الله ، وبمن استحقّ النعيمَ ، وفي المقابل من لم يستحقّه ولكن نالَه بفضل الله المحض – وكل من يدخل الجنة كذلك – ؛ لأنّ في طبيعة الإنسان من القصور ما ذكرناه . والله من قبل ومن بعد أعلم وأحكم – سبحانه – .

-

·         يُحاجّ القرآنُ المكذّبين بالرسالة بأنها توافِق فِطرتَهم وتذكّرُهم بها ، وذلك يتجلّى في المقايسات العقليّة الكثيرة الواردة في القرآن المنبّهة لغير المؤمنين بها ، مثل عدم مقبوليّة مساواة المتقين بالفجار بعدم البعث مع الإيمان بوجود الإله ، وعدم معقوليّة وجود الشريك لله ، وعدم لياقة اتخاذِ الله – سبحانه وتعالى – ولدًا ، وعدم استساغة عدم وجود خالِق . وفي هذا يقول الله – عزّ مِن قائل – : " إِنْ هُوَ إلا ذكرٌ لِّلْعالَمين " ؛ فإنّ أصلَ الرسالة وما تدعو إليه موجود في نفوس بني آدمَ ، وإنّما يحتاجون إلى التذكير والتنبيه في الأصْل ، أمّا تكذيب ما يوافِق الفطرةَ والعقلَ فهو إنكارٌ للذّات ومناقَضة لها . والله – تبارك وتعالى – أعلم .

-

·         قد يكونُ التّرغيبُ في التّوبة وما عندَ الله بسبيل الوعْد بصلاح الدنيا ورغَد العيْش وسَعَة الرزْق وصلاح البال : " فقلتُ استغفروا ربَّكمْ إنّه كان غفّارًا * يُرسلِ السّمآءَ عليكم مِّدْرارًا * ويُمدِدْكمْ بأمْوالٍ وَبَنينَ ويجعل لَّكمْ جنّاتٍ ويجْعل لَّكمْ أنهارًا " ، " ولوْ أنّ أهْلَ القرى ءامنوا واتّقَوْا لفتَحْنا عليْهم بَركاتٍ مِّنَ السّمآء والأرْض " ، وفي هذا دلالة على تلازم صلاح الدنيا مع صلاح الدّين في العموم ، وأنّ تعسّر أمور الدنيا دليلٌ على خلَل في الدين وأداء حقّ الله – سبحانه – ، ولو كان هذا ليس على الإطلاق ولكنْ في العموم والنهايات : " والعاقبةُ للمتّقين " ، " أنّ الأرض يرِثُها عباديَ الصالِحونَ " ، " فلمّا نسُوا ما ذكّروا بهِ فتحْنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ حتى إذا فرِحوا بما أوتوا أخذْناهم بغتةً فإذا هم مُّبْلِسون " . والله – سبحانه وتعالى – أعلم .

-

·         من ينزِل عليهم العذاب أو النذير الكونيّ قد لا يتّعِظون ، بل يعتبرونه ضربًا من مظاهِر الطبيعة لا يهدّدهم ولا يمثّل تنبيهًا لهم : " وإن يروْا كِسْفًا مِّنَ السّمآء ساقطًا يقولوا سحابٌ مَّركوم " ، " فلمّا رأوْهُ عارِضًا مستقبِلَ أودِيتِهم قالوا هذا عارِضٌ ممطِرُنا بل هوَ ما استعْجلْتم بِه " ، " ولئنْ أرسلْنا ريحًا فرأوهُ مصفرًّا لظلُّوا من بَعدِه يكفرون " . وفي هذا دلالة على أنّ الآياتِ لا تجدي مع رسوخ الكفْر والإصرار عليه وموات القلب ، وفي هذا تنبيه أيضًا لأهْل الإيمان أن ظواهر الطبيعة المختلفة – خاصّةً الريح والعواصف والسحاب والشهب ... – ينبغي أن يستقبِلوها بالخوف من الله والمحاسَبة واللجوء إليه – سبحانه – والحذر على الدوام . والله الهادي والعاصم وحده والمرجوّ .

-

·         إنّ القدرة على إقامة الصلاة حقّ إقامتها هو الضدّ من اتّباع الشّهوات ؛ فإن الصلاة تأتي على حين قد يكون المرء في شهوتِه أو عمل دنياه ، فإذا انصرف من عمله إلى صلاةِ ربّه كان هذا إيثارًا على النفس وانتصارًا على الشهوات ، وعلى الضّدّ ما لو تقاعس عن إقامة الصلاة والانصراف لها واستمرّ في شهوته أو عمل نفسه يكون ذلك اتباعًا للشهوات على حساب الصلاة . فالصلاةُ ميزان يوميّ يدلّ المرء على أولويّاته وحالته في انتصاره على شهواته وحظوظ نفسه أو اتباعه لهما . وإنّ عاقبةَ اتباع الشهوات هذا هو الغيّ والعمى عن الحقّ حتى يتوب صاحبُه ويُصلِح ، وكأنّ هذا الثنائي المتقابِل – الصلاة والشهوات – والذي يعترضه خمس مرات في اليوم عنوانٌ لصلاح المرء أو فساده بالكليّة : " فخلَف من بعْدهمْ خلفٌ أضاعوا الصلاةَ واتّبَعوا الشهَواتِ فسوْفَ يلقَونَ غَيًّا * إلا من تابَ وءامن وعمل صالحًا فأولئك يدخُلون الجنّةَ ولا يُظلَمون شيئًا " . والله – سبحانه – أعلم .

-

·         إنّ ممّا يعزّز مصداقيّة الدعوة الخاتمة أن مجيئها مصداق لما في الكتب والرسائل السابقة : " ولكن تصديقَ الّذي بينَ يديْه " ، " أولمْ يكن لَّهُمْ ءايةً أن يعلمَه علمآءُ بني إسرآئيل " ، وغير هذه الآيتين كثير في كتاب الله – عز وجل – في نفس المعنى . والله – سبحانه – أعلم .

-

·         البلايا عامّة لكلّ الناس ، مع أنّها خير فقط لأهْل الإيمان وإما رفعة لدرجاتهم أو تكفير لسيّئاتهم ، وأنّ أهل الكفر يستوجبون تعجيل الجزاء في الدنيا لأنهم لا يرجون الآخرة ، ومن حكمة ذلك التخفيف عن المؤمنين حينَ يرون كلّ الناس تصيبهم البلايا ( مع أنّ هذا قد يكون فتنة أخرى لهم إذا وجدوا في أنفسهم من أن يتساووا مع الكافرين ) : " وَلَولا أن يكونَ النّاسُ أمّةً واحدةً لَّجَعلْنا لمن يكفُر بالرّحمن لبُيوتِهم سقُفًا مِّن فِضّةٍ ومعارجَ عليها يظهرون * ولبُيُوتهم أبوابًا ... " . وفي هذا دليل آخر على أن الجزاء الحقّ هو في الآخرة ، وإن عُجِّل بعضُه بشرى وتثبيتًا : " وإنّما توفَّونَ أُجورَكم يومَ القِيامة " . والله أعلم .

-

·         المؤشرات الظاهرية – كالعدد والغلَبة خاصّةً – لا تُعتبَر في تقييم الحقّ والباطل والحكم بالاتّباع والتصديق ؛ بل الغلبة أو العدد قد يكون فتنةً للمؤمنين ليظهَر هل إيمانُهم تبعًا للأقوى الآن أم إخلاصًا للحق ؟ وهذا كشف على أنّ الله – سبحانه – لا يريد الدين لشيء ولكنْ له وحده – تبارك وتعالى – : " ولا تتّخذوا أيمانَكم دخَلاً بينَكمْ أن تكونَ أُمّةٌ هي أربى من أمّة إنّما يبلوكمُ الله به وليبَيِّنَنّ لكم يومَ القيامةِ ما كنتمْ فيهِ تختلِفون " . وربما عفا الله – عز وجلّ – عن بعض عباده الذين أسلموا واتبعوا الدين بعد غلبته تخفيفًا وفضلاً : " إن الله حرّم على النار من قال : لا إله إلا الله ، يبتغي بها وجهَ الله " . والله – سبحانه – أعلم .

-

·         يصدُر الدعاء من نبيّ على قومه بغرض الرغبة في مجازاتهم على ظلمهم وتضليلهم مثل دعاء كليم الله – عليه الصلاة والسلام – على فرعون وملئه ، ودعاء نوح – عليه الصلاة والسلام – بفناء الكافرين في ذلك الزمان جميعًا ، وهذا بعد طول المدّة والإمعان في الكفر والرغبة عن التوبة والإيمان .

·         من الأغراض الرئيسة لأي دعوة مرسَل إلى قومه دعوتهم إلى الاستغفار لإفسادهم بغض النظر عن شركهم ، ومن الأسباب الرئيسة لإهلاكهم هو عدم استجابتهم وتوبتهم بغض النظر عن التوحيد . أما الشرك وفساد العقيدة قد يكون الفساد من مقتضياته وتبِعاته ، وقد لا يكون ؛ ففي الأثر أن الله يمكّن للملك العادل . ولا نعلم هل لو وُجِد قومٌ أهل عدل وصلاح اجتماعي ومشركون – هل سيُبعث لهم رسول أم لا .

-

·         يحاجّ الله – سبحانه – الكافرين بكون الكون كلّه كان رتقًا وما فُتِقَ إلا بفعل الله – سبحانه – وأن هذا دليلٌ على وجود الفاعل ، فكلّ حادثٍ له حدَث ، وبكون أصل الحياةِ كلِّه واحد الماء ، وبأنّ الكون مسخّرٌ لوجودهم وحياتهم ومعيشتهم بسبُل مختلفة في السماوات والأرض جميعًا : " أولمْ يرَ الذين كفروا أنّ السماوات والأرض كانتا رتقًا ففتقْناهُما وجعلنا من المآءِ كلّ شيءٍ حيٍّ أفلا يؤمنون * وجعلنا في الأرض رواسيَ أن تميدَ بهم وجعلنا فيها فجاجًا سبُلاً لَّعلّهم يهتدون * وجعلنا السمآء سقفًا محفوظًا وهم عن ءاياتها معرضون " . واليوم يعرف الناس أكثر من أي يوم أن السماوات والأرض كانتا رتقًا صغيرًا جدًّا جدًّا ثم انفجر لسبب ما ، وإن هذا لمما يحاجّ الله به الكافرين في كتابه العزيز الذي أنزله منذ القرون الخالية .

·         يبدو أنّ الله – عز وجل – وضع في أفهام العالَمين الموازين الأخلاقيّة المطلقة في فِطَرهم أو بوحيه – تبارك وتعالى – ، حتى إذا جاء يوم القيامة لم يكنْ لهمْ حجّة أنّهم لم يعرفوا على ماذا سيحاسبون وبماذا ، كالمدرس يعطي طلاّبه معايير تقييمه لهم في دروسهم وأنشطتهم – ولله المثَل الأعلى – : " ونضَع الموازينَ القِسط ليومِ القيامة فلا تُظلَمُ نفسٌ شيئًا " . والله – سبحانه – أعلم .

-

·         حينَ ذكَر اللهُ – سبحانه وتعالى – شأنَ تقلّب أحوال الدنيا على العبد وأنّ هذا لا يعني صلاحًا فيما بينه وبين ربه ولا فسادًا عمومًا ، رتّب للصابرين المُصلِحين المغفرةَ والأجر الكبير ولم يذكرِ الرزق الكريم كما في مواضعَ أخرى : " ولئن أذقنا الإنسانَ منا رحمةً ثمّ نزعناها منه إنه ليئوسٌ ... إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات فأولئك لهم مَّغفرةٌ وأجرٌ كبير " ، وفي هذا إشارةٌ – والله أعلم – إلى أنّه ما دام الحال في الدنيا التقلب بين الرخاء والشدّة فإنه قد لا يصيب العبد الصابر المصلح ما يفي صبرَه وإيمانَه وإصلاحه وتحمّله ؛ فالصّبر على حال الدنيا المتقلب على الدوام أعظم من العمل الصالح المقترن بالإيمان بحدّ ذاته والذي قد يترتّب عليه الرزق الكريم في الدنيا تعجيلاً لبعض جزائه ؛ لأن الصبر على حال الدنيا لا ينتهي حتى يتوفّى المرء . والله أعلم – سبحانه – .

-

·         إنّ شِرعة الله – سبحانه – هي العدل ، عدلٌ متّفقٌ مع فطرة الإنسان وطبيعة الكون ، وإنّ مخالفتَها ستُظهِر ظلمها وجورها وعدم مناسبتها عاجلاً أو آجلاً ظاهرًا أو باطنًا : " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " .

-

·         إنّ مما يُستعان به على الرجوع إلى الله بعد قسوة القلب وتلوّثه تذكير النفس بالصبر على طريق العودة والصلاة بحقها ، كما أخبر المولى – سبحانه – بني إسرائيل في معرِض موعظتهم وتذكيرهم وعتابهم : " واستعينوا بالصّبرِ والصّلاةِ وإنّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين " .


·         النيّة التي تكون عند إتيان الأهل ذات أمر خطير وأثَر محقّق لا سيما على ثمرة ذلك الإتيان ؛ إذ نبّه الله – سبحانه – على حال القلب في تلك الحال : " فأتوا حرثَكمْ أنّى شئتم وقدّموا لأنفسِكم واتّقوا اللهَ واعلموا أنّكم مُّلاقوه وبشِّر المؤمنين " ، وقد يكون هذا أيضًا لعِظَم وجلال ما تدلّ عليه العلاقة بين الزوجين من آيات الله وبديع الأحاسيس والطبائع التي جعلها في خلقه في هذا الشأن بالتحديد .


-

·         الاحتجاج بأن الله متكفّل برزق الخلق لعدم البذل والعطاء والقيام على حاجاتهم هو احتجاج باطل ردّه الله – سبحانه – في كتابه : " وإذا قيلَ لهم أنفقوا مما رزقكمُ الله قال الذين كفروا للذين ءامنوا أنُطْعِم من لَّو يشآء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلالٍ مُّبين " .


·         عندما ذكر الرب – تبارك وتعالى – السخرية من الرموز الشرعية والشعائر عقّب على ذلك بالتشديد البالغ في كلا الموضعَين في سورة التوبة : " قل أبالله وءاياته ورسول كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعفُ عن طآئفةٍ مِّنكم نعذّبْ طآئفةً بأنّهم كانوا مجرمين " ، " الذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جُهدَهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذابٌ أليم * استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرةً فلن يغفر الله لهم " ، وفي هذا دلالة على شناعة وأثر السخرية البالغ في تشويه صورة شعائر الدين ومعانيه وقيمه وتنزيل قيمتها في النفوس إذا دخلت إليها . والله أعلم .


-

·         حدّد الله – سبحانه – جزاء الذين يؤمنون يطبقون بعض الشريعة ويكفرون ويناقضون بعضها من بني إسرائيل بأنه الخزي في الدنيا وأشد العذاب يوم القيامة ، وهذا يحتمل أن يكون عامًّا على كل أمة ذات كتاب وشريعة : " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزآء من يفعلُ ذلك منكمْ إلا خزيٌ في الحياةِ الدّنيا ويوم القيامة يُردُّونَ إلى أشدّ العذاب " . نستجير بالله ونستفتحه على المفسدين .


·         إنّ اللجوء الصادق لله في وقت الكرب والخوف مع اليقين والإيمان لا بدّ أن يأتي بالفرج ولو كان الكرب من أمنع أنواع الكروب وأشدها ؛ لأن يعقوب – عليه الصلاة والسلام – لما فقد يوسف وأخاه مع عدم وجود أسباب عودتهما ولا أيّ علامات لذلك لجأ إلى الله وآمن به وتوكّل عليه وتيقن به وأمرَ أبناءه البقية ألا ييأسوا من رحمة الله ، وقد حصل المطلوب وانجلت الكربة عن الجميع : " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون * يا بنِيّ اذهبوا فتحسّسوا من يوسُف وأخيه ولا تيأسوا من رَّوْح الله إنّه لا ييأس من رَّوح الله إلا القوم الكافرون " .


-

·         إنّ ممّا يقِف أتباع الديانات السماوية متفكّرين في خلافهم وعدم وجاهته مراجعين له هو كونهم يعبدون ربًّا واحدًا ويتشاركون في الكثير من المعتقدات : " قلْ أتحآجّوننا في الله وهو ربُّنا وربُّكم ولكمْ أعمالُنا ولكم أعمالكم ونحن لهُ مُخلِصون " .

·         لولا تعاقب الليل والنهار واختلاف الفصول والظواهر الكونية لفات الإنسان الكثير من قدرات الحساب والقياس ، وهما مستخدَمان إلى اليوم في المعرفة الإنسانية بشكل أساسي لا استغناء عنه ، كما أنّ الخالق جعل في الخلق نفسه من أدوات المعرفة من المقارنة والأسلوب السببي والتدرج ما يسهّل للإنسان الكثير من المعرفة : " ولتعلموا عدد السنين والحساب وكلّ شيءٍ فصّلناه تفصيلاً " .

·         ينبغي استحضار فكرة أنّ الله هو المتكفل بالرزق عند الإنفاق والتصدق ويعلم من يصلح له الكثرة ومن يصلح له القلة ، مع الالتزام بالتوسط المحثوث عليه : " ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسطة فتقعد ملومًا مَّحسورًا * إن ربّك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنّه كان بعباده خبيرًا بصيرًا " .


·         نقاش المسائل الفرعية التي ليست ذات علاقة واضحة بموضوع ما أو ليست ذات دلالة معتبرة فيه هو أمر غير صحي في تنشئة الوعي والمعرفة : " قل رَّبّي أعلم بعدتهم مَّا يعلمهم إلا قليل فلا تُمارِ فيهم إلا مرآءً ظاهرًا ولا تستفتِ فيهم مِّنْهم أحدًا " .


-

·         إنّ ممّا يكون أداةً للإنابة إلى الله والتوبة إليه الانتباه والاستماع لما يمرّ على الإنسان كثيرًا – خاصة في وقتنا هذا – من المواعظ والآيات والتذكير بالله وعدم الإعراض والغفلة عنها : " والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشّر عبادِ * الذين يستمعون القولَ فيتبعون أحسنهُ أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب " .


·         إنّ من الخلاف العقائدي – خاصةً الشخصي بين الناس لا الجماعي – ولو ظهرَ بأشكال غير محبّبة للمؤمنين فإنه قد لا يكون له حل مشروع – بعد تبيين الحجة والمناظرة – سوى إيكال أمر الحكم في الخلاف إلى الله : " وإذا ذُكِر اللهُ وحدَهُ اشمأزّت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذُكِر الذين من دونهِ إذا همْ يستبشرون * قل اللهمّ فاطرَ السماوات والأرضِ عالمَ الغيبِ والشهادةِ أنتَ تحكُم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون " . والله أعلم .

-

·         استنكر القرآن اضطهاد أهل الأخدود وتعذيبهم للمؤمنين مع كونِ إلههم الذي يؤمنون به هو المحمود في صفاته والعزيز المنيع مع محموديّته : " وما نقمُوا منهمْ إلا أن يُؤمنوا باللهِ العزيزِ الحميدِ " .


·         المعاصي مع فساد الباطن تسبب فساد القلب مباشرةً والطبْع عليه وعدم الاستفادة من التوبة ؛ إذ مع أن الله عفا عن بني إسرائيل بعد اتخاذهم العجل إلاّ أنّ كفرهم أعادَ أثرَ العجل وكفره في قلوبهم ورسّخه : " قالُوا سمِعْنا وعصَيْنا وأُشرِبُوا في قلوبِهمُ العِجْل بكُفرِهم " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق