بسم الله
الرحمن الرحيم
الرَّبّ
ما هو مفهومُنا عن الرّبّ ؟ ما هي فكْرتُنا
وتصوُّرنا – نحن من اصطفى الله الإسلام لنا – لله الخالق الرازق المدبّر ؟
هل هو مفهومٌ يضعُه في مكان فوق السماوات ،
ويجعله يثيب الطائعين ويعاقب العاصين في الدنيا بشكل محدود وفي الآخرة بشكل مطلق ،
ويجعله يُدِيرُ الكونَ باستقلال تامّ وارتِفاع عنه ؟
إنّ الربّ في القرآنِ هو الرب الذي يحتوي كل
الظواهر الكونية ، بين البشر ، بين الأجرام السماويّة ، في الأرض ، في السماء ، في
السراء ، في الضراء ، في الحرب ، في السلم ، في اليُسر ، في العُسْر .
كلّ تناقُضاتِ الكون وسننه ، وحوادثه
ومتغيراته ، ومفاهيمِه وجريانه ، كلُّها تراها عيانًا بيانًا في كتاب الله تصريحًا
أو تعريضًا .
إن
القرآنَ يتخطى بعقل قارئِه كل الحواجز ، ليرتقيَ به إلى أعظم وأعلى ما يُمكِن أن
يتصوّره ، أو فلنقل : يرى إشارةً منه تنبئه بعظمته وفوقيّته ، إن القرآن يرتحِل به
في معنى الربوبيّة إلى اللانهائيّة ؛ لأنّه جعل كلّ صغيرةٍ وكبيرة محبوبةً إلى
النفس كانت أو مكروهةً – جعلها ضمن سنّة الله وتدبيره .
السرور واليُسْر ليسا للمؤمنين على الدوام ،
كما أنّ الشقاوة والبُؤس ليسا للعاصين والفاسقين على الدوام .
إنّ مفهومَنا لعمَل الرب وتدبيره يتسع
باتّساع ظواهِر هذا الكون ، أو قل : الدنيا . ومفهومَنا للرّبّ – سبحانه وتعالى –
نفسِه هو أعلى من كلّ شيء ، هو المحتوي لكلّ تلك المتغيّرات والمحيطِ بها والذي
علمناها في كتابِه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديْهِ ولا من خلْفِه .
إننا إذًا استشعرنا ربوبيّة الخالق ، فإنّنا
لا نشعُر سوى باللامحدوديّة ، بالمُلْك التام ، والعلم والإحاطة الكاملَيْن ،
والاحتواء اللانهائيّ . كما أنّنا نحاول أو نسعى لنستشعِرَ تلْك القوّةِ التي
أجرتْ كلّ هذا الكونِ بإرادتِها وإحكامِها وتحديدِها ، القوةِ الّتي إذا أرادتْ
شيئًا كان ، وهي على ذلك لا تبوحُ بنفسها لأيّ أحد ؛ إنها – والله أعلم – تستتر
وراء غشاء رقيق ، متى أذن للمرء الربُّ أن يرى عبرَه يرَ ، ومتى لم يشأ لم يرَ ،
وهيَ لأجل ذلك لا تغيّر سنةَ خلقِها إلا قليلاً لإعلام الناس بصدْقِ رسُولٍ أو
إنذارِهم من عاقبةِ صنع .
إنّ تلكَ القوةَ إذًا تعطينا الأمل منقطِع
النظير أمامَ كلّ حادثٍ وكلّ حالٍ ؛ لأنّها علمتْنا أن الأحداث المرئيّة لا تعني
شيئًا ، إنّما العواقبُ هي المُعتبَرة ، وكِتابُ الله وبصيرة المؤمنين وإلهام
اللهِ لهم هي المبيّنات لحقيقةِ الحال ومآلِه .
هذا مفهومُنا للربّ – والله أعلم – .
أخطأَ من جعَل صورةَ الربّ من وحيِ هواه أو
ظنّه . وأخطأ من صوّر الربّ في صورة أو حدّدَه بحدود .
إنّما هي ملّةُ إبراهيم – عليه وآله ومحمدٍ
وآله الصلاة والسلام – ، الذي اتّخذهُ الله خليلاً ، وجعلَ من يرغبُ عن ملته
سافِهًا لنفسه : " إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ حَنِيفًا " ، ويقول : " وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ
وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ
عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا " .
إنّنا نُيمِّمُ قِبَل ذلك الخالق البارئ
المصور المدبّر الواحد ، ونُسلِّم له أمرَ الكونِ كلِّه بكلّ متغيّراتِه وصُوَره
وآياتِه ، ولا نقبَل شيئًا دونَ ذلك . وإنْ سمّينا للرب – سبحانه – يدًا أو ضحكًا
أو عجبًا ، فما هو إلا تقرُّبٌ لأذهاننا – نحن البشر المحدودون الضعفاء – ، وإنّما
الواقِعُ فوقَ كل شيء .
ذلك صوتُ العقْل والفِطرة – والله أعلم – ،
فما بالُنا إذا كان هذا هوَ صوتُ الوحْيِ والقرآنِ كذلك ؟!
اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته ، كما
صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم
في العالمين ؛ إنّكَ حميدٌ مجيد .
بسّام بن عصام يغمور – مكّة
27/9/34 –
11:38م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق