المشاركات الشائعة

الخميس، 17 يوليو 2014

الرّب

بسم الله الرحمن الرحيم

الرَّبّ

     ما هو مفهومُنا عن الرّبّ ؟ ما هي فكْرتُنا وتصوُّرنا – نحن من اصطفى الله الإسلام لنا – لله الخالق الرازق المدبّر ؟

     هل هو مفهومٌ يضعُه في مكان فوق السماوات ، ويجعله يثيب الطائعين ويعاقب العاصين في الدنيا بشكل محدود وفي الآخرة بشكل مطلق ، ويجعله يُدِيرُ الكونَ باستقلال تامّ وارتِفاع عنه ؟

     إنّ الربّ في القرآنِ هو الرب الذي يحتوي كل الظواهر الكونية ، بين البشر ، بين الأجرام السماويّة ، في الأرض ، في السماء ، في السراء ، في الضراء ، في الحرب ، في السلم ، في اليُسر ، في العُسْر .

     كلّ تناقُضاتِ الكون وسننه ، وحوادثه ومتغيراته ، ومفاهيمِه وجريانه ، كلُّها تراها عيانًا بيانًا في كتاب الله تصريحًا أو تعريضًا .

     إن القرآنَ يتخطى بعقل قارئِه كل الحواجز ، ليرتقيَ به إلى أعظم وأعلى ما يُمكِن أن يتصوّره ، أو فلنقل : يرى إشارةً منه تنبئه بعظمته وفوقيّته ، إن القرآن يرتحِل به في معنى الربوبيّة إلى اللانهائيّة ؛ لأنّه جعل كلّ صغيرةٍ وكبيرة محبوبةً إلى النفس كانت أو مكروهةً – جعلها ضمن سنّة الله وتدبيره .

     السرور واليُسْر ليسا للمؤمنين على الدوام ، كما أنّ الشقاوة والبُؤس ليسا للعاصين والفاسقين على الدوام .

     إنّ مفهومَنا لعمَل الرب وتدبيره يتسع باتّساع ظواهِر هذا الكون ، أو قل : الدنيا . ومفهومَنا للرّبّ – سبحانه وتعالى – نفسِه هو أعلى من كلّ شيء ، هو المحتوي لكلّ تلك المتغيّرات والمحيطِ بها والذي علمناها في كتابِه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديْهِ ولا من خلْفِه .

     إننا إذًا استشعرنا ربوبيّة الخالق ، فإنّنا لا نشعُر سوى باللامحدوديّة ، بالمُلْك التام ، والعلم والإحاطة الكاملَيْن ، والاحتواء اللانهائيّ . كما أنّنا نحاول أو نسعى لنستشعِرَ تلْك القوّةِ التي أجرتْ كلّ هذا الكونِ بإرادتِها وإحكامِها وتحديدِها ، القوةِ الّتي إذا أرادتْ شيئًا كان ، وهي على ذلك لا تبوحُ بنفسها لأيّ أحد ؛ إنها – والله أعلم – تستتر وراء غشاء رقيق ، متى أذن للمرء الربُّ أن يرى عبرَه يرَ ، ومتى لم يشأ لم يرَ ، وهيَ لأجل ذلك لا تغيّر سنةَ خلقِها إلا قليلاً لإعلام الناس بصدْقِ رسُولٍ أو إنذارِهم من عاقبةِ صنع .

     إنّ تلكَ القوةَ إذًا تعطينا الأمل منقطِع النظير أمامَ كلّ حادثٍ وكلّ حالٍ ؛ لأنّها علمتْنا أن الأحداث المرئيّة لا تعني شيئًا ، إنّما العواقبُ هي المُعتبَرة ، وكِتابُ الله وبصيرة المؤمنين وإلهام اللهِ لهم هي المبيّنات لحقيقةِ الحال ومآلِه .

     هذا مفهومُنا للربّ – والله أعلم – .

     أخطأَ من جعَل صورةَ الربّ من وحيِ هواه أو ظنّه . وأخطأ من صوّر الربّ في صورة أو حدّدَه بحدود .

     إنّما هي ملّةُ إبراهيم – عليه وآله ومحمدٍ وآله الصلاة والسلام – ، الذي اتّخذهُ الله خليلاً ، وجعلَ من يرغبُ عن ملته سافِهًا لنفسه : " إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا " ، ويقول : " وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا " .

     إنّنا نُيمِّمُ قِبَل ذلك الخالق البارئ المصور المدبّر الواحد ، ونُسلِّم له أمرَ الكونِ كلِّه بكلّ متغيّراتِه وصُوَره وآياتِه ، ولا نقبَل شيئًا دونَ ذلك . وإنْ سمّينا للرب – سبحانه – يدًا أو ضحكًا أو عجبًا ، فما هو إلا تقرُّبٌ لأذهاننا – نحن البشر المحدودون الضعفاء – ، وإنّما الواقِعُ فوقَ كل شيء .

     ذلك صوتُ العقْل والفِطرة – والله أعلم – ، فما بالُنا إذا كان هذا هوَ صوتُ الوحْيِ والقرآنِ كذلك ؟!

     اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته ، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين ؛ إنّكَ حميدٌ مجيد .

بسّام بن عصام يغمور – مكّة

27/9/34 – 11:38م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق