المشاركات الشائعة

الخميس، 19 يونيو 2014

نفسيّة الحشد

باسم الله

نفسيّة الحشْد

     في محاضرة للبروفيسور الشهير بين طلاب السنوات التحضيرية في جامعة " عزُّوز " السابقين والمُحدَثين – البروفيسور حمزة علي أبو جبل – وفقه الله وحفظه وعافاه – ، وفي الجمع الكبير المتكدّس المعتاد ، كان الجوّ أليفًا عمومًا ، والتفاعُل واضحًا ، والعموم في تنافُس .

     قد تبدو الحشود الكبيرة وخاصةً تلك التي يعمرها التفاعُل الأليف بين مكوناتها – تبدو جميلةً للغاية ومكانًا مثاليًّا للحضور . سواء كانت رسميّة أم ودّيّة .

     وذلك لأنّ عقول الأفراد المتفاعلين في ذلك الجمع – أو حتى غير المتفاعلين – تستشعر تحقيق الذّات والكيان .

     إنّ الواحد منّا في ضمن المجموعة التي شبّت فيها شعلة التفاعل ، يجد نفسَه مندفِعًا نحو المشاركة في التفاعل ، شاعرًا بتنافُس يجب أن يدخل فيه ويبرز ، خاصّةً بعد أن اشتعلت الجذوة الأولى للتفاعُل .

     وهذا الشعور هو مَظهَر لطبيعة العقل وفطريّته الضعيفة حقيقةً ، لأنّه يفضَح التعطّش لإثبات الذات ، والخوف من الاضمحلال والتخلُّف عن الرّكب .

     في صفّ الرياضيّات المزدحم ذاك كانت هناك مظاهر لا تُرَى في أماكن أخرى .

     كان هناك العديد من العيوب المتجاهَلة المستورة ، كما كان هناك الكثير من التفاعُل الزائد ، إنّ أبسط نكتة من المحاضِر كانت كفيلة بتفاعل الكثيرين معها إيجابيًّا ، وإنّ عيبًا في المحاضِر لم يكنْ ليحظى بكثير نقد أو استهجان . لم يكن المحاضِر يبذل جهدًا كبيرًا ، فقط يبدي إيجابيّته وترحيبه ، والباقي متكفَّلٌ به .

     لماذا في الحشود الكبيرة التي اشتعل فيها التفاعُل – الإيجابي على الأقل – لا يبدي الفرد ما كان يبديه في حشود أخرى أصغر أو أقلّ تفاعلاً ؟! لأنّه عندها يبحث عن إثبات ذاتِه عن طريق ما عند الغير ، هذا في عموم الحالات ، ما عدا أولئك الذين يحاولون ألاّ يصدُرَ منهم انفعال إلا من صميم النفس .

     لهذا السبب كان الانفعال في الحشود الكبيرة أمثال هذه مهدّدًا بعدم الموضوعيّة والحكمة ؛ لأنّه لا يصدُر عن عمليات معالجة ودراسة في داخل عقل الفرد ، ولكنْ من خلال نظرة الغير وما يُتوقَّعُ من الغير كردّ فعل . وإنّ هذا العرَض يهدّد كافّة الناس فضلاً عن عمومهم ، وفي كافّة الحشود المماثلة . وقد لا يتعدّى الأمر حدود العقل الباطن فلا يدركه الشخص ، حتّى يعيَ أنّه تحت تأثير الغير والحشد الذي هو فيه فينتبه .

     على أنّ نفسيّة الحشد أليفة وودودة ومشرِقة ، إلاّ أنّها ليست أبديّة في كل الأحوال ، لأنّه ما أن ينفضّ الحشد ويصبح التفاعل شخصيًّا أو أقلّ جماهيريّة حتى تظهَرَ صورة أقلّ إشعاعًا وحرارة من تلك التي كانت في ضمن الحشد ، وبالتالي ينفِر العقل من هذا التفاعل الفرديّ خارج إطار الحشد ، ويكتفي بالتفاعل الحشديّ أو الجمعيّ ، أو ربما عرف أنّ التفاعل الكائن ضمن الجمع الكبير هو زائف غير أصيل فينفِر منه هو الآخر .

     ولكنّ هذا أيضًا أظنّه غير معمّم على كل الأشخاص ، فهناك من فهِم المبدأ الذي لا يتغيّر في التفاعل مع الآخرين بشكل يجمَع بين الحكمة وإثبات الذات وبين تفهّم الغير والانسجام معه ، ومن فهِم هذا فقد لا يعتريه التغيّر بين حال وحال ، مع شكّي أنّ هذا في كثير من الأحيان لا يملِك نفسَه كذلك .

     ولستُ متأكّدًا إن كان ما أتحدّث قد يكون هو نفسُه المقصود بالمصطلح المعروف " العقل الجمعيّ " .

     والله – سبحانه – أعلم .

بسّام بن عصام يغمور – جدّة

27/11/34 – 12:38ص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق