باسم
الله
نفسيّة
الحشْد
في محاضرة للبروفيسور الشهير بين طلاب
السنوات التحضيرية في جامعة " عزُّوز " السابقين والمُحدَثين –
البروفيسور حمزة علي أبو جبل – وفقه الله وحفظه وعافاه – ، وفي الجمع الكبير
المتكدّس المعتاد ، كان الجوّ أليفًا عمومًا ، والتفاعُل واضحًا ، والعموم في
تنافُس .
قد تبدو الحشود الكبيرة وخاصةً تلك التي
يعمرها التفاعُل الأليف بين مكوناتها – تبدو جميلةً للغاية ومكانًا مثاليًّا
للحضور . سواء كانت رسميّة أم ودّيّة .
وذلك لأنّ عقول الأفراد المتفاعلين في ذلك
الجمع – أو حتى غير المتفاعلين – تستشعر تحقيق الذّات والكيان .
إنّ الواحد منّا في ضمن المجموعة التي شبّت
فيها شعلة التفاعل ، يجد نفسَه مندفِعًا نحو المشاركة في التفاعل ، شاعرًا بتنافُس
يجب أن يدخل فيه ويبرز ، خاصّةً بعد أن اشتعلت الجذوة الأولى للتفاعُل .
وهذا الشعور هو مَظهَر لطبيعة العقل
وفطريّته الضعيفة حقيقةً ، لأنّه يفضَح التعطّش لإثبات الذات ، والخوف من
الاضمحلال والتخلُّف عن الرّكب .
في صفّ الرياضيّات المزدحم ذاك كانت هناك
مظاهر لا تُرَى في أماكن أخرى .
كان هناك العديد من العيوب المتجاهَلة
المستورة ، كما كان هناك الكثير من التفاعُل الزائد ، إنّ أبسط نكتة من المحاضِر
كانت كفيلة بتفاعل الكثيرين معها إيجابيًّا ، وإنّ عيبًا في المحاضِر لم يكنْ
ليحظى بكثير نقد أو استهجان . لم يكن المحاضِر يبذل جهدًا كبيرًا ، فقط يبدي
إيجابيّته وترحيبه ، والباقي متكفَّلٌ به .
لماذا في الحشود الكبيرة التي اشتعل فيها
التفاعُل – الإيجابي على الأقل – لا يبدي الفرد ما كان يبديه في حشود أخرى أصغر أو
أقلّ تفاعلاً ؟! لأنّه عندها يبحث عن إثبات ذاتِه عن طريق ما عند الغير ، هذا في
عموم الحالات ، ما عدا أولئك الذين يحاولون ألاّ يصدُرَ منهم انفعال إلا من صميم
النفس .
لهذا السبب كان الانفعال في الحشود الكبيرة
أمثال هذه مهدّدًا بعدم الموضوعيّة والحكمة ؛ لأنّه لا يصدُر عن عمليات معالجة
ودراسة في داخل عقل الفرد ، ولكنْ من خلال نظرة الغير وما يُتوقَّعُ من الغير كردّ
فعل . وإنّ هذا العرَض يهدّد كافّة الناس فضلاً عن عمومهم ، وفي كافّة الحشود
المماثلة . وقد لا يتعدّى الأمر حدود العقل الباطن فلا يدركه الشخص ، حتّى يعيَ
أنّه تحت تأثير الغير والحشد الذي هو فيه فينتبه .
على
أنّ نفسيّة الحشد أليفة وودودة ومشرِقة ، إلاّ أنّها ليست أبديّة في كل الأحوال ،
لأنّه ما أن ينفضّ الحشد ويصبح التفاعل شخصيًّا أو أقلّ جماهيريّة حتى تظهَرَ صورة
أقلّ إشعاعًا وحرارة من تلك التي كانت في ضمن الحشد ، وبالتالي ينفِر العقل من هذا
التفاعل الفرديّ خارج إطار الحشد ، ويكتفي بالتفاعل الحشديّ أو الجمعيّ ، أو ربما
عرف أنّ التفاعل الكائن ضمن الجمع الكبير هو زائف غير أصيل فينفِر منه هو الآخر .
ولكنّ هذا أيضًا أظنّه غير معمّم على كل
الأشخاص ، فهناك من فهِم المبدأ الذي لا يتغيّر في التفاعل مع الآخرين بشكل يجمَع
بين الحكمة وإثبات الذات وبين تفهّم الغير والانسجام معه ، ومن فهِم هذا فقد لا
يعتريه التغيّر بين حال وحال ، مع شكّي أنّ هذا في كثير من الأحيان لا يملِك نفسَه
كذلك .
ولستُ متأكّدًا إن كان ما أتحدّث قد يكون هو
نفسُه المقصود بالمصطلح المعروف " العقل الجمعيّ " .
والله – سبحانه – أعلم .
بسّام بن عصام يغمور – جدّة
27/11/34
– 12:38ص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق