المشاركات الشائعة

الاثنين، 23 يونيو 2014

ربما الهدف أن نحيا ..

 باسم الله

ربما الهدف أن نحيا ..

     على قدر ما يمكن للمرء أن يجعله هدفًا لحياته من إنجازات عظيمة أو فتوحات علميّة أو انتصار ضد الظلم أو الوصول لمنصِب – وما أحقر هذا الهدف أمام ما سبقه – ، لا أجد نفسي منجذبًا بشكل فعليّ مثلما أجدني منجذبًا نحو أن أعيش الحياة ، بكل ما تحويانه هاتان الكلمتان من معنًى ، أن أعيش بحق الحياةَ الحقّة الحرة الطليقة .

     إنّ الحياةَ في قلبها وحقيقتها من الجمال ما يكفي لأنْ يسعى له المرء ، ويدافعَ عنه ، وينشره ، ومجموع هذه الأشياء كفيل بأن يصنع حياةً كاملة .

     ليس كلّ الناس يعيش حقًّا ، وليست الحياة الحقيقيّة المثلى هي الحياة التي يعيشها كل فرد من الناس .

     إنّ الحياةَ لا تحتاج لمصدرٍ خارجيّ لتكسب منه الجمال أو الخير ، فكلّ ذلك هو فيها ، وأجمل ما يمكن أن يكون الآن هو ما هو كائن الآن ، الواقع هو أجمل ما يكون ، ولكن لمنْ كان له قلبٌ حرّ وفطرةٌ سليمة .

     إنّ الحياةَ التي أراها تستحقّ السعي والعمل لها هي تلك الحياة التي ليس فيها تلك القيود التي ليس لها سبب وجيه ولا فائدة حقيقيّة ، الحياة التي لا تجِد فيها نفسُك ما يقول لها : هذه ليست حياةً ، أو : لا يمكن أن أعيش هكذا ، تلك الحياة التي تجِد فيها نفسك حرةً طليقة راتعة ماتعة ، تلبّي حاجاتها ، وتبوح بدواخلها الخيّرة الخلاقة الجميلة ، دون عائق ولا مغبّة ، أما الدواخل الشريرة فهي لا تستحقّ البوح ، بل النفوس لا تستحقّ أن تبصر شرّها أو تعيشه .

     ولي في كتاب الله قائد ، حينَ تطرّق الله لسبب إيجادنا وحياتنا ، هو لم يذكر أيًّا من المعاني التي قد يعدّها الناس رفيعة ، ولا الأهداف العالية المتطلّبة للوقت والجهد ، ولا المثاليّة القصوى ، هو – سبحانه – ذكر معنًى من أكبر ما يمكن أن يتحقّق فيه هو الصعيد الذاتي لكل فردٍ من الناس ، يعيشُه بينه وبين نفسه ، إنه ملكوت السماوات الذي يتربَع عرشه في صدور الناس ، إنّه غنى النفس ، وتحقيق الذات : " وما خلقتُ الجنّ والإنسَ إلا ليعبدونِ * " .

     وليت شعري أليس الله الخالق – تبارك وتعالى – هو رب الجمال في الكون ، وبارئُ معانيه وأسراره ، ومُنشِئُ أحداثه وكلّ ما فيها ؟!

     إنّي أعبُد الله بمعرفته ، أعبده بنسبة خلقِه إليه ، بجماله وجلاله وكماله ، أعبدُه بأنْ أصبغ بربوبيّته أقوالي وأفعالي وأفكاري ، أصبُغها بالحقائق التي أوجدها في خلقه ، لا بزيفٍ موروث ولا وهمٍ مفترض ولا حرجٍ لا مبرّرَ له .

     ما أجمَل الواقع .. إذْ الجميل الجليل ذو الجلال والإكرام هو مبدِعه ومنشئه ، وهو متبنّيه .

     ليس الواقع اللحظيّ هو ما أعنيه ، بل حقيقة الواقع التي لا تحدّ بزمان ولا مكان ، الحقيقة التي لا يراها إلا من نظر بروحه الطليقة إلى الأحداث وسوابقها ولواحقها في لحظةٍ واحدة ، يرى تطرّف الشر وشؤمه ، ويرى أصالة الخير وجماله ، ويرى الحقّ غالبًا في كلّ عينٍ حرّة مؤمنةٍ زكيّة ليس فيها الكبرياء ولا الفجور ، ضلّ من ضلّ عنه ، واهتدى من اهتدى إليه ، وليس ضلال من ضلّ بقادحٍ في الحقيقة ، ولا اهتداء المهتدين هو مزيد تزكيةٍ لها .

     إنّ ذلك الواقع هو ما ينبغي أن يشغل حيواتنا ، أن نعيش به ، ونعيش لأجله .

     ولا يمكن أن نحقّق هذا إلا بتزكية أنفسنا وفتنتها ، حتى تكون الحقيقة هي ما تراه ، وهي ما تعمل به ولأجله .

     أليس ذلك ما يريد الخالق منا السعي له ، ألاّ يكونَ في أعمالنا شريك سواه ، لا غايةً ولا منطلقًا ولا مسلكًا ؟!

     فليس في ذلك محِلّ لمغسولي الأدمغة ، ولا الذين يعيشون لغيرهم مع عدم حاجتهم لهم ، ولا الذين يعيشون باتّكاليّة كسولة على ما يوفّره لهم غيرُهم من بني البشر حتى من عواطفَ وأفكار .

     وإنّ هذه الغاية الحقّة ليست للكسالى أيضًا ، فإنّها تفرِض في عالم اليوم ، بل في كل عالم كل زمان ، تفرض الكثير من العمل ، فما أكثر المزيِّفين والمزيَّفات ، التي تستدعي الحِراب – ولكن بالخير والرحمة – حتى تعود صورةُ الحياة في عيون النفوس كما هي في قلبها وحقيقتها .

     فبيّض الله قلبي وقلبك – عزيزي القارئ – ، ونوّر بنوره بصري وبصرك ، وسلّمنا له وحده .. وما أبرئ نفسي ، إن ربي غفورٌ رحيم ..


بسّام بن عصام يغمور

مكة – الأحد 16/11/1434 – 1:41م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق