باسم
الله
ربما الهدف
أن نحيا ..
على قدر ما يمكن للمرء أن يجعله هدفًا
لحياته من إنجازات عظيمة أو فتوحات علميّة أو انتصار ضد الظلم أو الوصول لمنصِب –
وما أحقر هذا الهدف أمام ما سبقه – ، لا أجد نفسي منجذبًا بشكل فعليّ مثلما أجدني
منجذبًا نحو أن أعيش الحياة ، بكل ما تحويانه هاتان الكلمتان من معنًى ، أن أعيش
بحق الحياةَ الحقّة الحرة الطليقة .
إنّ الحياةَ في قلبها وحقيقتها من الجمال ما
يكفي لأنْ يسعى له المرء ، ويدافعَ عنه ، وينشره ، ومجموع هذه الأشياء كفيل بأن
يصنع حياةً كاملة .
ليس كلّ الناس يعيش حقًّا ، وليست الحياة
الحقيقيّة المثلى هي الحياة التي يعيشها كل فرد من الناس .
إنّ الحياةَ لا تحتاج لمصدرٍ خارجيّ لتكسب
منه الجمال أو الخير ، فكلّ ذلك هو فيها ، وأجمل ما يمكن أن يكون الآن هو ما هو
كائن الآن ، الواقع هو أجمل ما يكون ، ولكن لمنْ كان له قلبٌ حرّ وفطرةٌ سليمة .
إنّ الحياةَ التي أراها تستحقّ السعي والعمل
لها هي تلك الحياة التي ليس فيها تلك القيود التي ليس لها سبب وجيه ولا فائدة
حقيقيّة ، الحياة التي لا تجِد فيها نفسُك ما يقول لها : هذه ليست حياةً ، أو : لا
يمكن أن أعيش هكذا ، تلك الحياة التي تجِد فيها نفسك حرةً طليقة راتعة ماتعة ،
تلبّي حاجاتها ، وتبوح بدواخلها الخيّرة الخلاقة الجميلة ، دون عائق ولا مغبّة ،
أما الدواخل الشريرة فهي لا تستحقّ البوح ، بل النفوس لا تستحقّ أن تبصر شرّها أو
تعيشه .
ولي في كتاب الله قائد ، حينَ تطرّق الله
لسبب إيجادنا وحياتنا ، هو لم يذكر أيًّا من المعاني التي قد يعدّها الناس رفيعة ،
ولا الأهداف العالية المتطلّبة للوقت والجهد ، ولا المثاليّة القصوى ، هو – سبحانه
– ذكر معنًى من أكبر ما يمكن أن يتحقّق فيه هو الصعيد الذاتي لكل فردٍ من الناس ،
يعيشُه بينه وبين نفسه ، إنه ملكوت السماوات الذي يتربَع عرشه في صدور الناس ،
إنّه غنى النفس ، وتحقيق الذات : " وما خلقتُ الجنّ والإنسَ إلا ليعبدونِ *
" .
وليت شعري أليس الله الخالق – تبارك وتعالى –
هو رب الجمال في الكون ، وبارئُ معانيه وأسراره ، ومُنشِئُ أحداثه وكلّ ما فيها ؟!
إنّي أعبُد الله بمعرفته ، أعبده بنسبة
خلقِه إليه ، بجماله وجلاله وكماله ، أعبدُه بأنْ أصبغ بربوبيّته أقوالي وأفعالي
وأفكاري ، أصبُغها بالحقائق التي أوجدها في خلقه ، لا بزيفٍ موروث ولا وهمٍ مفترض
ولا حرجٍ لا مبرّرَ له .
ما أجمَل الواقع .. إذْ الجميل الجليل ذو
الجلال والإكرام هو مبدِعه ومنشئه ، وهو متبنّيه .
ليس الواقع اللحظيّ هو ما أعنيه ، بل حقيقة الواقع
التي لا تحدّ بزمان ولا مكان ، الحقيقة التي لا يراها إلا من نظر بروحه الطليقة
إلى الأحداث وسوابقها ولواحقها في لحظةٍ واحدة ، يرى تطرّف الشر وشؤمه ، ويرى
أصالة الخير وجماله ، ويرى الحقّ غالبًا في كلّ عينٍ حرّة مؤمنةٍ زكيّة ليس فيها
الكبرياء ولا الفجور ، ضلّ من ضلّ عنه ، واهتدى من اهتدى إليه ، وليس ضلال من ضلّ
بقادحٍ في الحقيقة ، ولا اهتداء المهتدين هو مزيد تزكيةٍ لها .
إنّ ذلك الواقع هو ما ينبغي أن يشغل حيواتنا
، أن نعيش به ، ونعيش لأجله .
ولا يمكن أن نحقّق هذا إلا بتزكية أنفسنا
وفتنتها ، حتى تكون الحقيقة هي ما تراه ، وهي ما تعمل به ولأجله .
أليس ذلك ما يريد الخالق منا السعي له ،
ألاّ يكونَ في أعمالنا شريك سواه ، لا غايةً ولا منطلقًا ولا مسلكًا ؟!
فليس في ذلك محِلّ لمغسولي الأدمغة ، ولا الذين
يعيشون لغيرهم مع عدم حاجتهم لهم ، ولا الذين يعيشون باتّكاليّة كسولة على ما
يوفّره لهم غيرُهم من بني البشر حتى من عواطفَ وأفكار .
وإنّ هذه الغاية الحقّة ليست للكسالى أيضًا
، فإنّها تفرِض في عالم اليوم ، بل في كل عالم كل زمان ، تفرض الكثير من العمل ،
فما أكثر المزيِّفين والمزيَّفات ، التي تستدعي الحِراب – ولكن بالخير والرحمة –
حتى تعود صورةُ الحياة في عيون النفوس كما هي في قلبها وحقيقتها .
فبيّض الله قلبي وقلبك – عزيزي القارئ – ،
ونوّر بنوره بصري وبصرك ، وسلّمنا له وحده .. وما أبرئ نفسي ، إن ربي غفورٌ رحيم
..
بسّام بن عصام يغمور
مكة –
الأحد 16/11/1434 – 1:41م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق