المشاركات الشائعة

الأربعاء، 18 يونيو 2014

ملخّص كتاب " الله ليس كذلك " لزيجريد هونكه ( في بيان الصورة النمطية الخاطئة عن المسلمين عند الغرب عبر التاريخ )

بسم الله الرحمن الرحيم

ملخّص كتاب " الله ليس كذلك " لزيجريد هونكه

( لتحميل الكتاب : http://www.2shared.com/document/JNG6851E/_____.html )

1-      المقدمة :

-          المسبّب الرئيس للحقد الغربي الذي أدّى لسعي الغرب إلى تشويه سمعة العرب وكل ما ارتبط بهم من دين وثقافة ودولة هو عنصريّة عرقيّة تظهر في ادّعائهم أن العرب هم مجرّد رعاة إبل ، دُخَلاء على الحضارات كالفارسية والهلينية ( الرومانية المتأخرة ) ، وأدى هذا التصوير للعرب إلى فِريات أخرى منها سفّاحيّة العرب وحروبهم ، وضحالة دورهم في الحركة العلمية ، بالإضافة إلى فِريات هدفُها تشويه صورة الدين لأغراض الدينية ظاهرة في جنب المسيحية .


2-      المحمديون :

-          تبيّن الكاتبة كيف أنه وحتى القرن العشرين يُطلِق الغرب على العرب والمسلمين أسماء غريبة ويدعون أنهم أسموا بها أنفسَهم ، مثل المحمديون – نسبةً إلى محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – – معتبرةً ذلك علامةً على قلة العلم الحقيقي الواقعي بالعرب والمسلمين والإسلام ، وربما يُسمى محمد " مخمِت أو مخميد أو ماهومد " ، ويُدّعى أنه صنم ذهبي يعبده المسلمون ، وأن الديانة الإسلامية هي اقتباس من الحضارة السريانية وغير ذلك من ادعاءات تكشف الجهل الحقيقي بالعرب والإسلام .

3-      نداء يهيب بقتال أعداء الرب ، الفصل الأول : إشعال نارة الكراهية والبغضاء :

-          يبدأ أحد أهمّ الفصول في تاريخ العداء الغربي للعرب والمسلمين مع بداية الحملات الصليبية ، والتي بدأتْ بحجّة تطهير الأرض المقدسة من الكفرة والرد على هدم كنيسة القيامة ( التي أعاد المسلمون بناءها من قبل بعد هدمها ) وتقتيل النصارى في الشرق وإساءات أخرى مزعومة من قِبَل المسلمين تجاه النصارى وحجّاجهم إلى بيت المقدس ، على حين أنّ حقيقتها نابعة من أهداف سياسيّة واقتصاديّة متجاورة مع أهداف شخصية للبابا أوربان الثاني الهادف لتوحيد الكنائس جميعها تحت راية كنيسته ، كل هذا باستغلال الشعارات الدينية – بالطبع – وتطلّع الجنود النصارى إلى الحرب والغنائم ، خاصّةً مع الأوضاع القاسية التي كانت تعيشها أوروبا في ظلّ التناحرات والحروب المستمرّة . وقد قادت الحروب الصليبية إلى مذابح بالألوف في الشام وشمال إفريقيا ، متشحةً بوشاح الجهاد ونصرة المسيح . وكانت " الصدمة النفسية العربية للغرب " – كما تسميها الكاتبة – بعد أنْ رأى المحاربون النصارى التحضّر المدني والعسكري على السواء للعرب ، ومعاملة حكام العرب المبالغة في العناية بالأسرى النصارى ، الأمر الذي خلّد عددًا من رسائل لمقاتلين نصارى يُعرِبون فيها عن اعترافهم بخطئهم ووهَمهم وتقديرهم لحضارة العرب وثقافتهم السّمْحة الدافعة للتزمّت الأسود النصراني آنذاك إلى العجب والحيرة ، والذي كان قد طُعّم بالكراهية تجاه أولئك " الكفرة الغجر السحرة عبّاد الأصنام والشياطين " ! وقد كان من جرّاء الهزائم الشاملة لكل الحملات الصليبية الرئيسة والصغيرة أنْ سببت صدمة للغرب ، لا تزال ظاهرة في بعض الأدبيات والأشعار ، يتساءل فيها بعض الشعراء عما بقي ليثبت أن محمدًا هو الرسول الحقّ وأن المسلمين هم على الصواب وأنه يجدُر بالنصارى الاعتراف بهذا واللحاق بدين المسلمين وأنّ غضب الرب هو ما سبب خسارة النصارى المتراكمة .

4-      الفصل الثاني : الفروسية الألمانية والفروسية العربية تخزيان عدم التسامح النصراني :

-          تبيّن الكاتبة أوجُه تميّز الثقافة الألمانية عمّا ساد في أوروبا تجاه العرب والمسلمين من تعصب أعمى مفترٍ ، حيث رفض القياصرة الألمان ابتداءً من فريدريك الأول مرورًا بابنه هايزسن السادس انتهاءً بالحفيد فريدريك الثاني ، والذين عقدوا أواصر صداقة سلميّة راقية مع الحكام المسلمين – الأيوبيين آنذاك – ، والذين رفضوا إنشاء الحملات الصليبية على غرار ما صنعته الكنيسة ، ما أدى إلى الكنيسة إلى توجيه الحملات إلى ألمانيا إضافةً إلى العرب المسلمين ، وكان من ضمن أسباب ذلك ضمان أن الحملات تسلك المسلك الفظيع الذي أنشأته الكنيسة ، وكشاهد على نتيجة الروح الألمانية المسالمة كان انتصار الحملة الصليبية الخامسة بقيادة فريدريك الثاني والتي كانت سلميّة على غير ما كان غيرها من الحملات ، انتهت باتفاقية تكفل المساواة بين المسلمين والنصارى وانتصار الطرفين ووصول كل طرف إلى أهدافه السلمية ، الأمر الذي أثار حنَق البابا والكنيسة فقادها إلى شنّ حملة إعلامية ضدّ القيصر وصلتْ إلى إيقاف النواقيس في الكنائس عند وصول القيصر وإمطاره بالروث والبراز وسحب البيعة له من صقليّة جبرًا . وقد وصلت الصداقة والعلاقة العميقة إلى أن تقدّم السلطان صلاح الدين الأيوبي – رحمه الله – إلى التقدم بالخطبة لابنة القيصر الألماني ، ما قابله القيصر بأحفى الترحيب آخذًا للوفد الأيوبي في جولة على البلاد ، باعثًا القائم على شئون الأديِرة برفض لطيف ، ولم تكن التبعات تنبئ عن أيّ تغيّر في الصداقة . ومن جرّاء الضغط الأوروبي على ألمانيا لشنّ الحرب الصليبية على المسلمين أرسل القيصر إلى صلاح الدين الأيوبي يُعرب له عن أسفه من اضطراره إلى شن حرب عليه في حالة عدم قبوله تسليم بيت المقدس وإطلاق أسرى الحرب من الفرنجة ، وكان أن طلب القيصر النزال والمبارزة بينهما فقط – دليلاً على أخلاق الفروسية الألمانية – ، ولكن صلاح الدين لم يردّ مباشرةً ، وقد عرض عليه مقترحًا من عنده وهو إطلاق سراح الأسرى جميعًا والسماح لحجيج النصارى وعبّادهم بشعائرهم مقابلَ إعادة المحتلين الفرنج كافةَ القلاح والحصون العربية ، ولكنّ هذا لم يكن في نطاق صلاحيات القيصر ، وتقول الكاتبة أنه بسبب الحقد الغربي على القياصرة الألمان لمْ يبقَ في التاريخ تفاصيلُ لما جرى بين الألمان والعرب آنذاك أكثر من هذا . وكان من أعظم دلائل المودة النقية بين الطرفين رسالة القيصر إلى صلاح الدين والتي جاء فيها : " حينما فارقتني كنت في حالة لو أن أحدًا من البشر خيّرني فيها بين البعد عنك أو الموت لكنت أجبتُه ضارعًا : لبيك ! جُدْ عليّ بهذه المكرُمة ! " ، في رسالة طويلة ليس فيها سوى الوداد والحسرة من وحدة ذلك القيصر في أوروبا السوداء .

5-      الصورة السائدة عن الإنسان المسلم ... الخطاء الأثيم ؟ العبد المذعن لله ؟ الجبري ؟ الجهاد ؟

-          تبيّن الكاتبة استكمالاً لمغالطات الغرب العنصرية والتي لا تزال مستمرة – بشكل يدعو المثقف العالم للعجب – إلى اليوم في الكتابات الأدبية والإعلام ، ومن ذلك ادعاءات ( يبدو أنها نابعة من عقدة نقص نصرانية ) ، منها :
·         المسلم يعتقد بأنّه ليست له حيلة لنفسه ، فإيمانه بالقضاء والقدر يجعلُه خائر القوى ، يتقبّل كل ما يجيء له كإرادةٍ محضةٍ لله ، لا ينقضُها ولا يسعى لتعديلها . والحقّ أن القارئ للقرآن وحده يرى عكس هذا تمامًا ، وكذلك المطّلع على السيرة النبوية ، من اجتهاد جديّ في الأخذ بالأسباب وإقدام قويّ لا يتزعزع وتحمّل مطلق للمسئولية : " قلْ هوَ من عِند أنفسِكم " .
·         المسلم يحمل خطيئة آدم معه على الدوام وهذا هو أصل عبوديّته ، على حين أنّ هذه في أغلبها نظرة المسيحية للمسيحيّ ، والتي تقول بأنّ الجميع حمل خطيئة آدم ولم تكفّر إلا بموت المسيح ، بل وإن النساء يحملن إثم الخطيئة الأعظم ومحرّكها الأوّل ؛ فهي إذًا مربِط وساوس الشيطان وتضليلاته وشروره ! والقرآن يزخر بالآيات الدالة على تكريم بني آدم ورغبة الله الغيرَ لهم ونفخه فيهم من روحه ، وعدم حمل أحد خطايا أحد آخر ، وقبول التوبة الصادقة كيفما كانت .
·         الإسلام انتشر بالسيف ، وكان المسلمون يقاتلون العالم فإما يسلم وإما يُقتَل . على حين أن القرآن يقول : " لا إكراه في الدين " ( بغض النظر عما نتج عن حملات التبشير القهري الأوروبية النصرانية التي خلفت آلاف القتلى الذين لم يقبلوا الدخول في النصرانية أو حتى المذهب نفسه الذي عليه المحاربون ) ، وإن أكبر المجتمعات الإسلامية – في جنوب شرق آسيا وشمالها ووسطها – لم يدخُلْ إلى الإسلام من ذلك بشيء ، وإنّ الجزية التي كانت توضَع على غير المسلمين كانت ترفع إذا أسلم الذمي أو شارك في الجند ؛ فالغرض منها التقوية على حماية وخدمة الذميين ، علاوةً على الحرية الدينية التي كانت مكفولة إلى أقصاها في المجتمع الإسلامي لكل أتباع الأديان يهوديةً ونصرانيةً ، وقد كان المجتمع العربي من السحر بمكان ما دفع الغربيين إلى الانبهار بهم كلما تعرضوا لهم ، ومن شواهد ذلك شهادة الفارس الفرنسي فولشير الشارتي : " أفبعد كل هذا ننقلب إل الغرب الكئيب ؟! بعدما أفاء الله علينا وبدّل الغرب إلى الشرق ؟! " ، وقد أدى هذا الكنيسة كالعادة إلى إنشاء حملات إعلامية لتشويه سمعة المسلمين ونشر أكاذيب مخزية عنهم غيرةً من شعبية الثقافة الإسلامية والعربية وخوفًا منها ، ويظهر ذلك على سبيل المثال في " نشيد رولاند " لشاعر الكنيسة ريجنز بورج " كونراد " التي نظما عام 1300 والتي وصف فيها المسلمين بأنهم " الشعب الذي يُروى تعطشه لسفك الدماء ، والذي لعنه رب السماء " وأنهم " كفرة وكلاب وخنازير فجرة " وغير ذلك من أكاذيب وإساءات لفظية ، " إن ( مخمت ) قد أرسلني إليك لأطيح رأسك عن كتفيك وأطرح للجوارح جثتك ، وأمتشق برمحي هامتك ، ولتعلم أن القيصر قد أمر كل من يأبى أن تعمده الكنيسة " ليس له إلا موت شنقًا أو ضربًا أو حرقًا " ، إن أولئك جميعًا دون استثناء حزب الشيطان اللؤماء ، خسروا لدنيا والآخرة ، حل عليهم غضب الله فبطش بهم روحًا وجسدًا ، وكتب عليهم الخلود في جهنم أبدًا " . وقد أدى هذا في النهاية بالأندلس إلى انحسار حضارة الأندلس العظيمة حالاًّ بعدها الظلام طول أكثر من ثلاث مئة عام من محاكم التفتيش والانغلاق إلى 1834 منذ 1492 !

6-      الفصل الثالث : شارل مارتل : منقذ الغرب كما يزعمون !

-          تبين الكاتبة كيف أن انتصار شارل مارتل جنوبي فرنسا بواسطة جيشه الذي جمعه من اليونان واللموبارديين وأنحاء أوروبا وصرف عليه مقتنيات الكنائس – فـ" استنزلت اللعنات على قبره بأن يصير متفحمًا ، وعلى جثمانه الذي على الشيطان أن يختطفه ويلقيه في نار السعير ، وبئس المصير " – ضد المسلمين في بواتيه لم يكن انتصارًا عظيمًا في وقته ، ولكنّه ( شارل مارتل ) مُجّد من قبل القيصر المتبتّل لوردفيج لانتصاره على الجرمان ، كما أنّ ذلك الانتصار لم يكنْ وقايةً لأوروبا من تهديد حقيقي ، بل إن الثقافة الأندلسية بعلومها وفنونها وآدابها وشعرها اجتاحت فرنسا وتعدتها إلى سائر أوروبا بعد فترة وجيزة ، كما أن أوروبا لم تكن ذات العشم في النصرانيّة الذي يجعلها تتهدد بالمد الإسلامي ، بل إن مبعوث البابا من روما بونيفاتيوس إلى الجرمان في مناطق مختلفة أرسل إليه يشكو : " غلظة تلك القلوب المتحجرة العقيمة ، والتي لم تزل حبيسة ضلال الكفر وليّها الشيطان يضلها ويسوقها إلى غياب الموت ، وتأبى إلا عدم السمع والطاعة والخشوع لسلطان رب غريب " . ولكن معركة بواتيه – على عكس ما يسوقه التاريخ – تزخر الكتابات التأريخية والأدبية بتمجيدها وبيان أهميتها وخطورة أمرها : " قد صانت تلك الرقعة كلها من التحول إلى قارة شرقية سامية " .

7-      الفصل الرابع : المرأة مضطهدة تُسام الخسف في الإسلام ؟

-          تكمل الكاتبة ما ابتدأته من بيان أثر الغزل العفيف والتتيّم العربي في النساء وطريقة المبالغة في التوسل العربي للظفر بوصال المحبوب وودّه وقربه ، مقابلَ ما كان عليه أمر المرأة الأوروبية من رزوح تحت وطأة إثم الخطيئة الأولى والغواية البادئة وأنها مناط وسوسة الشيطان ومدخلُه ، إذ بدأت ظاهرة تنزّل الرجال وتوسلهم للظفر بالأنثى ومظاهر هذا في الأدب والشعر تنتشر من الأندلس إلى أنحاء أوروبا وثقافتها ، وبشكل يُنبئ عن تشابه واضح ، مثلما صار العاشق عندهم يقول : " إنني ملكك يا سيدتي خادم في كل حين مستعد " مقابل : " عبدُها الركعُ يرجو وصلَها ~ ورضاها ، ويراها تستبدّ " ، وغيرها من الظواهر التي صارت جزءًا من كثير من الأدبيات : " ذلك الخلود في الأنثى هو الذي يشدّنا إليها " – من مسرحية فاوست لغوته – . وتسوق الكاتبة ردودًا على أشيع ما تتّهم به الثقافة الإسلامية في الأنثى :
·         العبودية والتسليم في " الإسلام " يشترك فيه الذكر والأنثى ، بل إن العبودية والروحانية الغنية للمسلم تُثري حبّه لمحبوبه وتجعله إخلاصه له مثل إخلاصه للخالق مستلهمًا من ذلك معانيَ الكمال والصفاء ، مستشهدةً على ذلك بصعوبة التفريق بين العشق الإلهي في الشعر والتغني بالحبيب والمشاعر تجاهه ، وذلك يعكس على تجربة العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع العربي الإسلامي طابعًا عاطفيًّا فطريًّا . وعلى عكس طاعة المرأة المستقاة من اعتقاد كونها مجد الرجل كما أن الرجل مجد الله ( كما لو أن المرأة أمَة الرجل ) وكونها تحمل وزر الخطيئة الأولى ، فإن طاعة المرأة في الإسلام لزوجها – حسبما تقول الكاتبة – تشريف لها بكونها متعلقة برجلها فقط ، علاوةً المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة في الثواب والعقاب وحفظ حق المرأة وضمانه في عقد النكاح وما يترافق معه من مهر مقدّم ومؤخر وكفل حق طلب التطليق والخلع وغير ذلك ، فضلاً على وصية القرآن المتكررة بالنساء والزوجات وكذلك وصية النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بها في آخر كلماته .

·         أما التعدّد فإنه وُضِع له شرطٌ حازم – بمفهوم الكاتبة – وهو العدل ، وقد بيّن القرآن لاحقًا أن العدل بين النساء مستحيل ، فهو يبيّن بذلك أن الحال المثلى للزواج هو الزواج من واحدة ( شخصيًّا أرى أن هذا قد يدعمه ما اختُتِمت به الآية : " ذلك أدنى ألا تعولوا " أي ألا تميلوا ) ، هذا غير أنه للمرأة – إن لم ترضَ – أن تطلب الطلاق وتشترط عدم الزواج من أخرى في عقد الزواج . ( يذكر المترجم في الحاشية أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي وضع حدًّا لعدد الزوجات ، وكل الحدود في مختلف الدول هي وضعية ، كما أنّ التعدد هو حلّ ناجع ظاهر الصلاح في أحوال عديدة منها كثرة النساء ، وهذا أمر واقع في عالم اليوم ) . وتسوق الكاتبة شواهدَ كثيرة على انخراط النساء بشكل فعال في القرون الأولى في المجتمع الإسلامي في أدوار هامة علمية وحكومية ومجتمعية مختلفة ، وتعقب هذا ببيان أنّه مع تقادم العهد وزحف الأتراك واختلاط الدول بهم وبالفرس فقد تسرّبت صورة متزمّتة تجاه المرأة ، أساءت استغلال السبايا والإماء ، وصبغت على المجتمع المسلم – بعد الوصول إلى الحكم – قيودًا بين الرجل والمرأة تشابه ما كان عليه الأمر في بلاد الفرس من عالمين منفصلين – عالم للرجال وعالم للنساء – كما تقول الكاتبة – مذرعًا ذلك كلّه بذرائع دينية ، على حين أن القرون الأولى لم تعرف ذلك ، بل كان الحال أكثر انفتاحًا وسامحة ( قد يكون هذا التزمت لا يزال حالاًّ ومتذرَّعًا له بالدين بسبب قرب العهد من العثمانيين وإمكانيّة صبغ الحكومة للمجتمع بصياغة التعاليم الدينية وتفاسيرها على حسب ما يراه الاتجاه الحاكم ) . وقد تلى هذا التزمت الاستعمار الذي صاحبته الدعوة إلى الانفتاح الغربي المُفرِط . أمّا عن علاج المشكلة والخلط الذي حصل فتقول في إحدى المؤتمرات الإسلامية : " إذا أرادت المرأة العربية طيّ الماضي بخلعها الحجاب فلا ينبغي عليها أن تتخذ المرأة الأوروبية أو الأمريكية أو الروسية قدوة تحتذيها أو أن تهتدي بفكر عقائدي مهما كان مصدرُه ؛ لأن في ذلك تمكينًا جديدًا للفكر الدخيل المؤدي إلى فقدها لمقومات شخصيتها ، وإنما ينبغي عليها أن تستمسك بهدي الإسلام الأصيل وأن تسلُك سبيل السابقات من السلف الصالح اللاتي عشنه منطلقاتٍ من قانون الفطرة التي فُطِرنَ عليها ، وأن تلتمس العربيةُ لديهن المعايير والقيم التي عشن وفقًا لها ، وأن تكيّف تلك المعايير والقيم م متطلبات الصر الضرورية وأن تضع نصب عينيها رسالتها الخطيرة المتمثلة في كونها أم جيل الغد العربي الذي جيب أن ينشأ عصاميًّا يعتمد على نفسِه " ، وتستشهد بالفلسطينيات أنموذجًا لنساء واجهن التحديَ الصعب وحدَهنّ مؤهَّلاتٍ لصنع مستقبل فلسطين بأيديهنّ أنفسهن .

8-      الفصل الخامس : " .... وحريق مكتبة الإسكندرية الكبرى ؟! "

-          حريق مكتبة الإسكندرية الذي عُزِي إلى عمرو بن العاص بأمر أو إذن من الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما وأرضاهما – هو خداع بصري استُخدِم فيه عدسة محدّبة لتأخير حدث قديم إلى حين فتح المسلمين لمصر ، فحريق المكتبة الإسكندرية تمّ أولاً بواسطة الإسكندر عام 47 ق.م إبان حصار قيصر للإسكندرية ، وقد شيدتها كليوبترا مجددًا بعدد كبير من المخطوطات ، ولكن – كما تقول الكاتبة – كان القرن الثالث بداية التدمير المخطط :
·         القيصر كاراكلا ألغى الأكاديمية وحلها وسفك دماء علمائها .
·         البطريرك النصراني عام 272 أغلق المجتمع وشرد علماءه آمرًا بحرق " مؤلفات الكفرة " ( منطلقًا من اعتقاد الاستغناء عن أيّ نوع من العلوم بعد الإنجيل ) .
·         القيصر فالنس في عام 366 حول " السيزاريوم " إلى كنيسة ونهب مكتبته وحرق كتبها واضطهد فلاسفته ولاحقهم بتهمة السحر والشعوذة .
·         عام 391 أفلح البطريرك ثيوفيلوس في الحصولعلى إذن القيصر ثيودوزيوس لخدم السرابيوم ( المعبد المخصص للإله الفرعوني الإغريقي سرابيس ) – كبرى الأكاديميات وآخرها وموئل حكمة الصور القديمة والقبلة التي يقصدها طالبو الحكمة من كل صوب ، تاركًا مكتبتها بما فيها من ثلاث مئة ألف مخطوطة للنيران ، قريرَ العين بتشييده ديرًا وكنيسة على أنقاضها .
·         الباقي كان لغلاة المراهقين من النصارى الذين انتشروا في الإسكندرية في القرن الخامس بمواصلة تدمير علوم الكفرة وفلسفتم وتحطيم مراكز ثقافتهم وآثارهم ومكتباتهم والهجوم على علمائهم ، كما اعترف بذلك في قحّة ودون خجل سيفروس الأنطاكي الذي صار فيما بعد بطريرك القبط وكذا صديق له .
فلم يكن لمكتبات مصر القديمة أي وجود أيام دخول العرب الإسكندرية عام 642 ! علاوةً على هذا أن مفهوم المسلمين للعلم مختلفٌ تمامًا عن مفهوم النصارى الذي قادهم لهذا كلّه فالعرب يرون أهلية العلوم الطبيعية وجدارتها بالتعليم ، في الطب وغيره من العلوم ، ولم يزل المسلمون عاكفين على مختلف العلوم منذ نشوء حضارتهم ، وفي الحديث : " طلب العلم فريضة على كلّ مسلم " ، و" الساعي في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع " ، و" أو علم ينتفع به " . أما عند ادعاءات الغرب المختلفة المسيئة لتوجّه العرب العلمي فتردّ عليها كالتالي :
·         ادّعاء أن العرب مجرّد نقلة ومكرّرون لما حصلوا عليه من العلوم والآداب الرومانية والهندية يدحضه تميّزه الفلسفة العربية عن كلتي الفلسفتين ، فالهندية ذاتية محتفلة بالذاتية كل احتفال ، واليونانية مركّزة على المعاني المجرّدة ، والعربية مركّز على الواقع الفعلي . أما الإضافات العربية فمنها تصحيح الطبيب العربي عبد اللطيف أحد أطباء صلاح الدين الأيوبي لخطئَي جالينوس أن هناك ثقوبًا في الحجاب الحاجز في القلب منها ينتقل الدم من ناحية إلى أخرى في القلب ، وتبعه ابن النفيس باكتشاف الدورة الدموية الصغرى ( جالينوس هو أعظم أطباء الرومان ، وقد اعترف به العرب صاحب أسبقية وريادة في الطب ) ، وتصحيح ابن الهيثم لخطأ نظريتي إقليد وبطليموس الزاعمة بأن العين تسلط نورها على المرئيات وأسس ابن الهيثم علم البصريات التجريبي مقدمًا لأوروبا نظرية تكاد تكون متكاملة حول الأشعة بما في ذلك الأسس التي عليها يقوم استخدام العدسات والمجاهر وكافة أنواع المرايا وآلة التصوير بالتعتيم الشمسي وكشافات الضوء الكهربية وغير ذلك ، وقد كتب أول رسالة في المغنطة جابر بن حيان ، وقد اعترف الصينيون وشهدوا أن العر منذ القرن التاسع الميلادي خاضوا المحيط بسفنهم في ظلام الليل ، وتوضح الكاتبة كيفية انتقال العلوم من العرب إلى العالم بالطرق التالية : عن طريق السفن والتجار وفرسان الحروب الصليبية وحجاج بيت المقدس والأماكن المقدسة للنصارى ، وصقلية العربية إبان خضوعها لحكم العرب مئتين وخمسين عامًا وعن طريق صديق العرب الأكبر القيصر فريدريك من آل هوهن شتاوفن ، وإسبانيا والبرتغال حيث خضعتا للعرب ثمان مئة عام ، مترجمات مدرسة الترجمة العليا في طليطلة العربية ، وعن طريق طلاب العلم المتقلبين بين الجامعات والبعثات والوفود واليهود الجوالين والحجاج والتجار . وكان الإعجاب بالعرب والترويج لعلومهم له ضريبة سيئة ، تُدفَع كزجّ في السجن أو إعدام ، ومن ضحايا هذا الإقصاء روجر باكون في القرن الثالث الميلادي الموسوعة العلمية بمقياس عصره – حسب تعبير الكاتبة – والذي كره إغراق الكنيسة في الجدليات والتفاصيل الواهية والثانوية ورحل إلى أكسفورد المنفتحة عالميًّا حيث تنتقل العرب من عالم إلى عالم فتملؤه الحماسة في المساس بالعالم الحر الواقعي على الطريقة العلمية للعلماء العرب كابن الهيثم والكندي ، وقد اتُّهِم من طائفة الفرنسيسكان بقصد تبديل خلق الله ، وقد طُرِد لولعه بالعرب واتجاهه سنواتٍ عشرًا من أكسفورد إلى فرنسا والتقى بجي لي جروس فولكس الذي اشتغل معه – وكلاهما منبهر بالعرب وقدراتهم العسكرية وابتكاراتهم الحربية العلمية – في معامل المساحيق السرية وتوصلوا إلى اختراع أسلحة كيميائية أثبتوا بها تفوقهم البالغ على الفرنسيس والفرنجة وأعدوا لأولئك الأعداء عند دمياط استقبالاً ناره تلظى وصفَه مسجّلُ حوادث الحروب الصليبية الفرنسي جوانفيل : " لقد بدت السماء كأنها تصلي الأرض بألسنة البرق وكأن تنانين ضخمة راحت تتراقص في جو السماء .... وكلما سقطت قذيفة ريع قلب ملك فرنسا وجأر يدعو مستغيثًا : أيها السيد عيسى المسيح ! نجني وقومي ! " ، وفورَما عاد روجر إلى أوكسفورد وصلته رسالة من صديقه الفرنسي تطلب منه إرسال مؤلفاته لحفظها ونشرها بإذن البابا ، ولكنه توفي قبل وصول المخطوطات إليه ، وقد تنامى الخبر إلى أسماع الفرنسيسكان فحُبس روجر وتوفي بعد خمسة عشر عامًا من الحبس عام 1294 ، وقد كان روجر يرفع لمعاصريه مقولةً من أدلهرد أحد أسلافه النورمانديين : " إن البهائم وحدها تتبع الزمام الذي ويثقها ، كذلك فإن سلطة " المؤلفات " تقود عددًا ليس باليسير منكم ، فأنتم أسراها المكبلون ، منقادين لها بسرعة تصديقكم الحيوانية " .

أما منجزات الفكر العربي والإسلامي التي سُطِي عليها من قبل الغرب فقد كانت تتدفق كتب العرب والمسلمين في أوروبا منذ القرن الحادي عشر وازداد ذلك في القرن الثاني عشر ، وقد كانت تدرس في إنجلترا وألمانيا وفرنسا في جامعات أوكسفورد ورايشنو وكولونيا أوجسبورج وشارتريه وريمس وغيرها ، وقد كان بعض الأعلام مثل أدلهرد يعترف أنه كثيرًا ما نحل أفكاره الخاصة ملفين عربًا يبتغي أن يظفر لها بذلك بالتأييد فتسود ! ومن نماذج السرقات الفكرية التالي :
·         اختراع البوصلة المنسوب إلى فلافيو الإيطالي عام 1302 على حين أن البحارة العرب قد اتخذوا البوصلة وفق المصادر القديمة منذ عام 854 في الرحلات البحرية الطويلة ، وقد أجرى جابر بن حيان تجاربه على البوصلة في القرن الثامن ، وقد نسب البعض الاختراع للصينيين بدلاً من العرب ، وقد كان فلافيو يعيش في البندقية التي تربطها علاقات تجارية بالعرب وأغلب الظن أنه اقتبسها منهم ليستفاد منها في الغرب ورحلاتهم .
·         ادعى الغرب أن مخترع البارود هو راهب ألماني برتهولد شفارتز من الفرنسيسكان في صومعته عام 1359 ، بيْد أن قناصة العرب في إسبانيا سبق لهم في 1325 ثم 1331 ثم 1341أن ألقوا الرعب في صفوف الفرنجة من وميض قائف الرعد الخاطفة ، وقد استنجد قبلاي المغولي بالعرب ليستخدم البارود في حربه مع الصين عام 1270 ، وبدلاً من نسبة الاختراع للنصارى ، فإن أغلب الظن أن اختراع البارود كان وقاية للمسلمين أنفسَهم من تهديد الحروب الصليبية !
·         يشهد عام 1500 أجريبا فون نتسهايم من كولونيا في كتابه العلاج والطب : " لقد أصبح العرب على درجة من الشهرة جعلت الرأي يشيع أنهم مخترعو هذا الفن ، وقد كان بإمكان العرب أن يدعوا ذلك بكل بساطة لو لم يفرطوا إفراطًا في مؤلفاتهم في ذكر أسماء وكلمات لاتينية ويونانية ، لذلك فقد حظيت مؤلفات ابن سينا والرازي وابن رشد بالموثوقية نفسها التي قوبلت بها أعمال هيبوقراط وجالين وصار لها من ثقل الوزن والصيت ما إن الطبيب الذي يتصدى للعلاج دون الرجوع إليها ليسهُلُ اتهامه بأنه يخرب الصالح العام تخريبًا " . ولكنه قد ادُّعي أن الجراح الفرنسي أمبرواز باري هو من أوقف نزف الأوعية الدموية الكبرى ، على حين أن صاحب السبق هو أبو القاسم Abulcasis قبل ست مئة عام قبل الفرنسي ، وكذلك وضع التدلي أثناء التوليد والذي نُسب إلى الألماني فالخر وعُرف بالتدلي الفالخري ، وكذلك الوضعية المحددة التي نصح بها أبو القاسم في إجراء الجراحة في التجويف أسفل السرة نحلوه للجراح الألماني فريدرش ترندلبرج ، وكذلك تشخيصُه لمرض الفقر والمفاصل الذي نُسب إى برسيفال بوت ، واكتشاف الدورة الدموية الذي عُزِي الفضل في للإسباني ميكائيل سرفت ( 1552 ) والإنجليزي وليام هارفي ( 1616 ) كلاهما تزييف منتحل ، وكدليل على هذا فإن سرفت استخدم نفس كلمات ابن النفيس الدمشقي رئيس مستشفى الناصر بالقاهرة من عام 1260 حتى 1288 والتي هي محفوظة في متحف إسكوريال بمدريد كحاشية على كتاب القانون لابن سينا ، والذي صحح خطأ جالين في الدورة الدموية ، ولا يذكر سرفت الخطأ بأي شكل ، فأيهما سبق ؟! وكذلك لم يذكر أي مصادر بل أتى بوصف مبتَسَر مقتضب .
·         قسطنطين الإفريقي الذي ولد بقرطاجة والذي طاف ببلاد البحر الأبيض المتوسط واختلط بالمدارس الشهيرة هناك وعلمائها و– في الخفية – عكف على نقل كتب العرب في إفريقية ، ثم انتقل بها إلى أوروبا وواصل النقل فاتحًا لأوروبا فتوحات وهاجة علمية ، إلى أن اكتُشف بعد أن أحيط بهالة من التوقير والمجد بأن وقع الخبراء على أصول الكتب العربية مستبينين سرقته وخداعه .
·         أما الغزل والعشق الفرنسي والألماني فقد كان موضوع رسالة دكتوراه المؤلفة وقد أشرف عليها خبير بالاستشراق وقد صرّح بأنه مقتنع بصحة الأدلة والبراهين التي أكدت بها المؤلفة الأصل العربي لفن الغزل ( وقد سبق الحديث عنه ) .
أما العلاج ووصايا الكاتبة ووصفتها للأصول التي يجب على العرب إيجادها من جديد فهي :
·         اللغة العربية .
·         الدين الإسلامي ، وهو المنفتح المتميز بانفتاحه وانسجامه مع التطور العقلي .
·         التنقيب عن الماضي الفكري المدفون تحت الأنقاض تمامًا واستيعاب أسباب نشوئه واكتماله واكتهاله ثم تقهقره واندثاره والخروج بالعبر والدروس اللازمة للانطلاق للمستقبل ؛ فالعرب قد انطلقوا أيضًا من البداية ، ولم يترددوا في الأخذ عن أولئك الغرباء ما رأوه ضروريًّا لبقائهم دون أن يحاكوا محاكاةً عمياء ثم واصلوا البناء فوقه بطريقتهم الخاصة لخلق إبداع فكري جديد قيّم من الدرجة الأولى منتمٍ إليهم .

9-      الفصل السادس : الصدمة النفسية العربية للغرب تنشط من جديد :

-          تذكر الكاتبة موجة الغرب المستنكرة التي استهدفت الأتراك في العصر الحديث بعد أن حلوا على بلدان مختلفة ضيوفًا أو لجوءًا سياسيًّا ، فحتموا عليهم الذوبان في ثقافة المضيف معارضين استقلاليتهم وحافظهم على هويتهم ، سالكةً نفس المسلك الذي سلكه أوربان الثاني – كما تصف الكاتبة – في الترهيب من المسلمين وافتراءات مثل الهدوف إلى نشر الدين بالقوة . وتختم الكاتبة بقولها : " فإن الوقت يكون قد حان أخيرًا لنطرح عنا غرورنا وكبرياءنا الزائفة وأن نحطم ذلك السد الحائل المخزي الذي أقامته الصدمة النفسية المتغلغلة فينا نتيجة الفخر الكاذب والإجحاف الظالم بعد تسع مئة عام من ذلك النداء البابوي الوخيم المشئوم إلى النصارى " شعب الله المختار " ! إن الإسلام هو ولا شك أعظم ديانة على ظهر الأرض سماحةً وإنصافًا ، نقولها بلا تحيز ، ودون أن نسمح للأحكام الظالمة أن تلطخه بالسواد ، إذا ما نحينا هذه المغالطات التاريخية الآثمة في حقه والجهل البحت به . وإن علينا أن نتقبّل هذا الشريك والصديق مع ضمان حقه في أن يكون كما هو " .

والله – سبحانه – أعلم وأحكم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .


جدة – 9/6/35

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق