بسم الله الرحمن الرحيم
( الثَّورات وتعاقُب الأجيال ) لا
تحقِرَنَّ من المعروف شيئًا ..
( الكلام أدناه لا يحكم على الثورات بصلاح ولا فساد ، ولكنه إشارة لديناميكية التغيير وطريقته إذا أردناه )
المشهد ( 1 ) :
في خِضَم هذا الكم
الهائل المُدهِش من المظاهرات والمطالبات بالإسقاطات هنا وهناك ، بشكل لم يكن حتى
في مخيلة الكثيرين – يقف المرء متسائلاً : لمَ الآن بالضبط ؟!
أليست تلك الحكومات
برجالها وأنظمتها قد عششت عشراتِ السنين في تلك الدول ، ولم تقم للشعوب قائمة ولم
تثر لهم ثائرة ؟! فعلامَ الآن يكون هذا ؟!
صحيح أن تلك الحكومات
والأنظمة لم تتغير ، وقد أظلَّت شعوبها الدهور الطِّوال ، ولكن الذي تغير ليس هي ،
وإنَّما الشعب والشباب والنَّاس !
المشهد ( 2 ) :
تخيَّل أنَّك امرؤٌ صالحٌ
تائبٌ إلى الله – وأنت كذا إن شاء الله - ، تزوَّجت وعقدت على مع امرأة مثلِك أو
دونَك بقليل ، ورزقكما الله الذرية .
ثم أنت عقدت العزم على
تنشئة هذه الذرية خيرَ تنشئة ، على ما عاش عليه حبيبُك – صلى الله عليه وسلم –
وعلى ما أوصى ، وعوَّدتهم على رفيعِ قيَمِه وكريم خُلُقِه .
ثم عاشوا من بعدك على
ذلك ، وتزوجوا كذلك ، وربَّوا ذرياتِهم كذلك .
أو هبْ أنَّك غيرُ صالح –
وحاشاك من ذلك – ، ولكنك أبٌ ، يريد ككل أبٍ على الفطرة أن تنشأ ذريته صالحةً
طيبةً ، فربَّيتها على ما يحب الله ويرضى ، ثم انتشروا من بعدك بأنفسهم وذرياتِهم
، على نفس النَّهج والطريقة .
فأيُّ مُجتَمَع سيكون
عندَنا ؟!
أنت – الرجل الصالح –
كنت واحدًا ، وبعدك زِواجك وامرأتَك وإنجابك – كنتم خمسةً أو ما حولَ ذلك ، وكلكم
صالحون ، أو فلنقل – تجوُّزًا – منكم واحد أو اثنان غير صالحَين – لا قدر الله – ،
وبعد انتشار ذريتك وزواجها ونساءَها وإنجابِها ، صرتم عشرةً أو عشرين ، وهلمَّ
جرًّا ...
انظرْ كيف ستكبرُ هذه
النِّسبة مع تعاقُب الأجيال ، وكيف سيتغير شكل المجتمع مع مرور الزمن .
وكلُّ ذلك – مبدؤُه
أنَّك أصلحت نفسك وذريتك ، وهم بدورِهم فعلوا كذلك .
فانظر كيْفَ يمكن أن
يكون الإصلاح مشروعًا[1]
مجتمعيًّا يبدأ من كل منزِل وأُسرة ، وكيف يمكن أن تحملَ أنت بنفسك همَّ إصلاح المجتمع
ككُل .
فاذكر قول النبي – صلى
عليه ربي وسلم – : " لا تَحقِرَنَّ من المعروف شيئًا " .
واتخذ قاعدة تعلقها
حلقًا في أذنك : إذا سُؤْتَ فليحسُن ولدُك .
فليس بغريب بعد ذلك أن
تشهد بُلدانُنا العربية والإسلامية مثل هذه الـ" انتفاضات " ، بفعل هذه
الفكرة التنموية التربوية .
..
وإني لأرى – بالهامش –
أنَّ الجيلَ الرَّاحل – رحمة الله عليه – لَترحلُ معه العديد من الاعتقادات
والأفكار والعادات ، عددٌ منها لا يصلُح للمجتمع الإسلامي ، ولقد شهد المسلمون في
شتى بقاع الأرض على الصحوة ، فبالله عليك ! لا تبخل علينا أنْ تكون مساهمًا معنا
في هذا المشروع ! فلربما حررْت أو ابنُك بيت المقدس ![2]
مكة - 17/12/33
[1] هذه التسمية أذكُر بها د.
جاسم المطوِّع ؛ فهو طرحها في برنامجِه ( الأسرة السعيدة ) – بارك الله فيه - .
[2] ليس ذاك بفضل منَّا ولا بعمل
منَّا ، وإن كان من عملٍ منَّا ؛ فالله هو الذي أراد أن نعمل ، ولئن كان من هذا
الأمر فتحٌ أو نصرٌ ، فالله قضى به وقدَّر ، " ومَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ
فَمِنَ اللهِ " ، " يَنصُرُ مَن يَشَاءُ " ، " فَأَيَّدْنَا
الَّذينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ " ، "
وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالحِات
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم ... " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق