المشاركات الشائعة

الجمعة، 20 يونيو 2014

خُطَب وردتْ على إبراد

بسم الله الرحمن الرحيم

خُطَب وردت عـــلى إبــــــراد

   بينما عبد الله الذليل الفقير الشاقي في تيكم الدنيا – يستحم يغتسل ؛ لعله ينقي جسده مما قد آذاه من أوساخ و أقذار أصابته لضعفه و هوانه ، بينما هو على ذلك إذ به يتخيل نفسه أمام القوم و الجمهور ، خطيبًا على المنصة ، يشير و يلوح بيده ، يتكلم و يعظ ، يقول في ضمير نفسه :

~~~~~

إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه ، و نعوذ به من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهدِه فلا مُضِلَّ له و من يضللْ فلا هاديَ له .

و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أن سيدنا محمدًا بنَ عبدِ الله عبدُه و رسولُه – صلى الله عليه و آله و صحبه و التابعين لهم بإحسان و من سار على ملته إلى يوم الدين – .

و بعد :

~~~

عن البطالة :

   فـ" قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون " ، هذه الآية ليست داخلة في موضوعنا ، و لكنه الشيء بالشيء يُذكَر .

   إن الله – تبارك و تعالى – عندما خلق بني آدم ، ما خلقهم ليكونوا عاجزين ، و لا ليكونوا عالةً بعضهم على بعض ، الله – سبحانه – يقول : " و لقد كرمنا بني ءادم و حملناهم في البر و البحر " ، " سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره و لتبتغوا من فضله و لعلكم تشكرون " ، " و سخر لكم الشمس و القمر دآئبين و سخر لكم الليل و النهار " ، " سخر لكم ما في السماوات و ما في الأرض جميعًا منه " ، فكل ذلك يدلنا على أن ربَّنا ما خلقنا و خلق كل هذا الكون لنا و سخره إلا لنعمل و نجد و ننصب ، و كما ورد عن سيدنا عمر بن الخطاب الفاروق – رضي الله عنه و أرضاه – أنه رأى رجالاً في المسجد فسألهم عن حالهم و عيشهم و كسبهم فقالوا أنهم متوكلون على الله ، فعاقبهم و أهوى عليهم بدرته ، و قال : السماء لا تمطر ذهبًا و لا فِضَّة ، و في الحديث المروي عن الرسول – صلى الله عليه و آله و سلم – من طريق عمر – رضي الله عنه – أيضًا فيه : " لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يُرزَق الطير ، تغدو خماصًا و تروح بطانًا " ، فالطير لم تُرزَق و هي متوكلة دون أن تبرح أعشاشها ، و لكنها " غدت " فرُزِقت بتوكلها .

   و لنضف إلى ذلك أن " اليد العليا خير من اليد السفلى " ، و قد رُوِي عن الرسول – صلى الله عليه و سلم – قولُه : " لأن يحمل أحدكم حزمة فيحطب على ظهره فيتصدق به و يستغني به عن الناس خير له من أن يسأل رجلاً – أعطاه أو منعه ذلك – ، و اليد العليا خير من اليد السفلى ، و ابدأ بمن تعول " .

   أمَّا و الحال أنه من أبيَن  أسباب البطالة في مجتمعنا هو طغيان العمالة الوافدة على المواطنين ، فهذا مما لا يصح و لا يجوز ، فالعمالة الوافدة قد اتُّخِذَت فيما مواضع الحاجة و غير مواضع الحاجة ، و الأصل أن يكون كل من يعمل في البلد هم مواطنوه . هل ننادي بأن يكون عُمَّال النظافة و حراس الأبواب ... من المواطنين ؟! ، في الحقيقة – نعم ! و لمَ لا ؟! ، فالحال أن احتقار هذه المِهَن و أصحابها هو دخيل على مفاهيمنا و معتقداتنا ، فتلك الصحابية الكريمة السوداء التي كانت تقمُّ المسجد – رضي الله عنها و أرضاها – افتقدها رسول الله – صلى الله عليه و سلم – فسأل أصحابه – رضي الله عنهم و أرضاهم أجمعين – عنها فقالوا : ماتت ، فعاتبهم لعدم إخباره و ذهب و صلى عليها كأي ميْتٍ مسلم – أو قل على مضض : " مواطن " – ، فالحقيقة التي تعلمناها من القرآن هي أن " أكرمكم عند الله أتقاكم " ، أي أن الكريم عندنا بحق ليس بكريم إلا بسبب تقواه ، لا بسبب موقعه في العمل أو كرسيه أو منصبه أو وظيفته ...

   و لو نظرنا إلى أكثر دول العالم رُقيًّا لوجدنا أنها لا تحتقر أصحاب تلك المهن المستقبحة عندنا ، و إنما تعاملهم – بعقلانية منطقية – كأي فرد عامل في المجتمع يقوم بدوره تجاه إخوانه و أمته .

   و ما بالك بأمة تأكل لقمتها من يد غيرها ؟! ثم ما بالك بامرئ يعيش آكلاً شاربًا – بل مصليًا صائمًا قائمًا و ليس ينفع أمته و لا إخوانه و لا يكفي نفسه و يغنيها بيده ؟!

   وفق الله ولاة أمرنا جميعًا و كل شعوبنا للبر و التقوى و ما يحب و يرضى ، و ألزمنا كتابه و سنة نبيه – صلى عليه و سلم – أبدًا و جعلنا خير خلفاء له في أرضه كما يحب و يرضى .

~~~

عن حب الوطن :

   لطالما سألت نفسي : لماذا أحب وطني ؟! و لا أظن أن أحدًا منا لم يسأل نفسه هذا السؤال .

   و هذا السؤال دافعه منطقي عقلاني ، فنحن كنا نسمع " عشت يا وطني " ، " أفديك يا وطني " و لسنا نعي الدافع لكل هذه التضحية و الفداء للوطن ، حتى بِتْنا نشعر بهذا الكلام النفاق و البطلان و التفاهة .

   في الحقيقة ، لو تحرينا عن إجابة ، لكانت : أحب وطني لأنه أطعمني من خيره ، و سقاني من زلال مائه ، و آواني في رحيب أرضه .

  هل هذا كافٍ لحب الوطن ؟! في الحقيقة أنْ " نعم " .

   فأنت إن لم تشكر من أطعمك و آواك و كساك فأنت من أكفر الكافرين – و حاشاك يا كريم – .

   فأنا أحب وطني ؛ لأنه أمِّي ، و أمُّ أمِّي ، و أمُّ أمِّ أمِّي ، و لأنه أبي ، و أبو أبي ، و أبو أبي أبي .

   و لأنه قبل ذلك قد قام على صراط الله المستقيم ، و شرعه القويم ، فنعم من وطنٍ للمسلمين أجمعين .

   ألا فزاد الله وطننا و أوطان المسلمين ثباتًا على الحق و برهانًا و نورًا بنوره – هو نور السماوات و الأرض ، و جعلنا جميعًا صفًّا كأننا بنيان مرصوص كما يحب و يرضى ، و جعلنا و إياكم ممن جاهد فيه حق جهاده – هو اجتبانا و ما جعل علينا في الدين من حرج – .

~~~

عن الدعاء :

   الدعاء هو العبادة كما قال رسولنا الأكرم و معلمنا الأعلم – صلى الله عليه و آله و صحبه و التابعين بإحسان و سلم – ، و قد قال – جل جلاله – في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بيد يديه و لا من خلفه في سورة الأعراف في معرض تاريخ بني آدم و ذكر أصلهم و فطرتهم و دعوتهم للإنابة إلى سبيل باريهم و ولايته – سبحانه و تبارك و تعالى – : " ادعوا ربكم تضرعًا و خفية إنه لا يحب المعتدين ` و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها و ادعوه خوفًا و طمعًا إن رحمتَ الله قريب من المحسنين ` " ، و قال في سورة غافر : " و قال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ` " ، و قال أيضًا في البقرة : " و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ` " ، و قد ورد عن النبي – صلى الله عليه و سلم – أن الله – عز و جل – يسخط على العبد لا يدعوه ، و ورد أيضًا عن ربِّنا – جل و علا – أنه قال لسيدنا موسى – صلى عليه و سلم و على أخيه هارون – : " اسألني شسع نعلك و ملح طعامك " ، و أنت إذا تعرفت على الدعاء و دخلت جنته و لزمته في تقلباتك و أحوالك كنت من الذاكرين كثيرًا و الذاكرات ، كما حكى ربُّنا – تبارك و تعالى – عنهم : " الذين يذكرون الله قيامًا و قعودًا و على جنوبهم و يتفكرون في خلق السماوات و الأرض ربَّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ` ... " ، فالدعاء باب لا يُغلق من أبواب الله – تبارك و تعالى – أبدًا ، تستطيع ولوجه قائمًا ، و تستطيع ولوجه قاعدًا ، و تستطيع ولوجه مضطجعًا ، و ما هذا إلا كرم من الله – عز و جل – و مِنَّة ، و هو الغني الحميد الذي يدعو عباده الفقراء الضعفاء ليعطيهم حتى قبل أن يسألوه – سبحانه و تبارك و تعالى ربُّنا ذو الجلال و الإكرام – .

   و الداعي إذا دعا فلا ينادي و يرفع صوته ، فالله – عز و جل – قريب سميع عليم لطيف خبير مجيب ، كما سأل أحد أصحاب الرسول – صلى الله عليه و سلم - - رضي الله عنهم و أرضاهم – : أربُّنا بعيد فنناديه أم قريب فنناجيه ؟ فأجاب الرسول – صلوات الله و سلامه و كراماته عليه و على تبعه – : بل قريب – أو كما قال – ، و كون الدعاء مناجاة بين العبد و ربه أبعد للرياء و أغنى عن التكلف و المشقة و أخشع لفؤاد هذا العبد الضعيف .

   و أي شعور يواتيك يا أيها العبد الذليل و ربُّك الكريم العلي العظيم يدعوك لتناجيَه و تسأله ما تريد و تسكب بين يديه عبراتك و تتخفف من أثقالك ؟!

   " فسبح باسم ربك العظيم "

   نسأل الله أن يجعلنا من أهل كرامته و وده و رحمته و فضله ، و أن لا يحرمنا حلاوة الإيمان و لا النظر إلى وجهه الكريم يوم الدين ، إنه غفور رؤوف رحيم .

~~~

غفر الله لنا و لكم ، و وفقنا و وفقكم ، و زادنا و إياكم إيمانًا و هدى و آتانا تقوانا ، و زادنا ربُّنا علمًا .
و سبحان الله و بحمده ما بقي و دام وجهه ذو الجلال و الإكرام .

و صلى و سلم و بارك و زاد من فضله و كرمه على عبده و رسوله سيدنا و قرة أعيننا محمد بن عبد الله و على آله و صحبه و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين و من أحب .

~~~

الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله J

~~~~~

كتبت بعض الزيادات لم تكن وردت في بالي – خاصة في " عن الدعاء " – ، و هل تصورت يا قارئ يا فهيم أن أجيئك بها كما خطرت على الخاطر !؟

و بعد ..

فإني لأعجب مما كتبت ! هل كان يستحم عبد الله هذا أم يستعد لخطبة جمعة !؟


مكة – 17/12/33

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق